في أرجاء المصانع المنتشرة على أطراف المدن المغربية الكبرى، يوجد عالم غير مرئي لعموم الناس، عالم لا ترويه إلا شهادات نساء يعملن لساعات طويلة في ظروف شاقة داخل مصانع الكابلاج المتخصصة في تركيب الأسلاك الكهربائية.
ما يميز هذا القطاع، أنه يقتصر بشكل شبه كامل على النساء فقط، اللواتي يطلب منهن إنجاز مهام دقيقة بسرعة وكفاءة، مقابل أجور زهيدة جدا لا تفوق 2800 درهم بحسب ماذكرته أحد العاملات بهذه المصانع.
أجور زهيدة وساعات طويلة من العمل دون راحة
وصرحت نادية، عاملة في مصنع بالكابلاج بمدينة برشيد منذ ست سنوات، وهي أم لطفلين، عن معاناتها في الاشتغال بهذا المجال لمساعدة أسرتها، حيث تحكي كيف كانت لاتجد وقتا حتى لأخذ استراحة قصيرة من العمل الشاق، قائلة : “نقف لساعات طويلة تحت مراقبة المشرفين والكاميرات، وأحياناً لا نملك حتى الوقت لتناول الطعام أو الذهاب إلى الحمام. أعود إلى المنزل منهكة، ولا أرى أطفالي إلا في الليل. كل هذا مقابل راتب لا يتجاوز 2800 درهم”.
أحلام معلقة على أسلاك الكهرباء: شهادات من قلب المعاناة
بدورها، تروي غزلان “لمجلة فرح”، وهي شابة في العشرينات من عمرها وحاصلة على إجازة في القانون، عن تجربتها المؤلمة في مصانع تركيب الأسلاك الكهربائية بمدينة بوسكورة، بعد ما لم تجد فرصة عمل تتناسب مع شهادتها، فتوجهت للعمل في هذه المصانع.
وفي هذا الصدد، قالت: “دخلت هذا العالم وأنا أحمل أحلاما كبيرة للمستقبل، لكنني خرجت منه بعد سنتين مكسورة الجسد والشغف في الحياة”.
وأضافت المتحدثة ذاتها، بأنها تعرضت لمشاكل صحية خطيرة في الظهر والعمود الفقري جراء الوقوف المستمر لساعات طويلة دون توقف.
ناهيك عن تعرضها لضغوطات نفسية جعلتها أن تفقد حياتها الاجتماعية، والتفكير فقط في إنهاء العمل والعودة إلى المنزل لأخد قسطا من النوم.
لماذا تفضل مصانع الكابلاج توظيف النساء على الرجال؟
وأكدت غزلان أن الشركات تفضل توظيف النساء على الرجال، لأنهن أكثر قدرة على تحمل ظروف العمل القاسية، التي يتعرضن لها يوميا، في إشارة إلى بيئة عمل مشحونة بالمراقبة المستمرة والضغط النفسي الذي يصعب تقبله بعد أكثر من 12 ساعة عمل.
أما فتيحة، المطلقة والأم، فتحدثت لمجلة “فرح” عن تدهور حالتها الصحية بعد العمل في مصانع تركيب الأسلاك بأحد المصانع ببسكورة، إذ قالت: “أعاني من تنميل في يدي وارتجاف مستمر بسبب ظروف العمل. لكن رغم أن الطبيب نصحني بالراحة، إلا أنني رفضت ذلك بسبب خوفي من فقدان عملي”.
تجسد هذه الشهادات واقع آلاف النساء العاملات في مصانع الكابلاج، حيث تتحد ظروف العمل القاسية مع ضعف الحماية القانونية والاجتماعية، لتتركهن عرضة للاستغلال الجسدي والنفسي.
وعلى الرغم من أن هذه المصانع تُروّج لنفسها كمصدر فرص تشغيل، إلا أن الحقيقة تشير إلى أنها تستغل حاجات النساء للعمل، مستقطبة فقط الإناث، معتبرة إياهن أكثر قدرة على التحمل والصمت.
إيمان البدري



