في زمنٍ تلاحق فيه الأصواتُ الإنسانَ حتى فراشه، بات كثيرون يلجأون إلى سماعات الأذن كوسيلة للهروب إلى النوم. غير أنّ هذا الهدوء المصطنع قد يخفي عاصفة صامتة في أعماق الدماغ، كما يحذّر الأطباء اليوم.
تحذير من طبيب أعصاب
وأطلق الطبيب المتخصّص في أمراض الأعصاب باي بينغ تشين تحذيرًا شديد اللهجة، مؤكّدًا أنّ النوم بسماعات الأذن ليس عادة بريئة كما يظنها البعض، مشيرا إلى أنها قد تكون خيطًا دقيقًا يقود إلى الخرف، ذلك المرض الذي يتسلّل ببطء إلى ذاكرة الإنسان وملامحه ووجوده.
الخرف أكثر من نسيان
الخرف ليس مجرد فقدان للذاكرة؛ هو تدهور تدريجي في قدرات الدماغ وتلاشي خيوط الإدراك. وتشير التقارير الطبية إلى أن المرض يطال غالبًا من تجاوزوا الخامسة والستين، والأبحاث الحديثة تظهر أن مخاطره تمتد إلى كل من يرهق دماغه ويهمل حواسه.
بين السمع والذاكرة خيط غير مرئي
وأكد الدكتور تشين أنّ العناية بالسمع هي عناية بالدماغ نفسه، ففقدان السمع يحرم المخّ من التحفيزات الصوتية التي تبقيه نشطًا ومتّقدًا. ومع مرور الوقت، يتحوّل الصمت القسريّ إلى ضمور في الشبكات العصبية، فيُمهّد الطريق للخرف واضطرابات الوعي والسلوك.
سماعات الليل: حين يختنق الدماغ بالرطوبة والضجيج
وحذر الطبيب من أنّ ارتداء السماعات لساعات طويلة أثناء النوم يحبس الرطوبة داخل الأذن ويُنشّط نموّ البكتيريا، مما يزيد احتمال الالتهابات السمعية. أما الأصوات العالية فتؤذي خلايا الشعر الدقيقة في الأذن الداخلية، فتضعف حاسة السمع وتربك الدورة الليلية للدماغ المسؤولة عن تنظيفه من السموم وتجديد خلاياه.
نصيحة للذين ينامون على أنغام الهواتف
وأضاف تشين: “أنا، كطبيب أعصاب، لا أضع سماعاتي حين أنام. وإن اضطرست، أحرص على أن يكون الصوت خافتًا كهمسٍ بعيد.” نصيحة تبدو بسيطة، لكنها تختصر فلسفة عميقة: احمِ سمعك لتحمي ذاكرتك. فالعقل لا يشيخ فجأة، بل يذبل شيئًا فشيئًا حين نحرم حواسّنا من الحياة.
دليل علمي جديد
وتتوافق تصريحات الطبيب مع دراسة نُشرت سنة 2024 في مجلة “ذا لانسيت”، أكّدت أنّ فقدان السمع من أبرز العوامل المؤدية إلى الخرف، إلى جانب قلة النوم والتوتر المزمن وقصور الدورة الدموية الدماغية. ولذلك، أوصت الدراسة بالابتعاد عن أي عادة تُضعف الأذن أو تعيق تواصلها الطبيعي مع محيطها.
حين نصغي إلى الصمت بوعي
النوم هدية الطبيعة لإعادة بناء الوعي، لكنّ الإنسان المعاصر جعل منه امتدادًا لضجيجه اليومي. فبدل أن يغمض عينيه ليستريح، يضع في أذنيه ضوضاء ناعمة تسرق منه ما هو أثمن من النوم: صفاء الدماغ وذاكرة الأيام.
علاء البكري



