تعيش مؤسسة الزواج في المغرب مرحلة دقيقة من التحوّل، حيث تتبدّل القيم وتتعقّد العلاقات داخل النسيج الأسري، في مشهد يعكس تحوّلاً عميقًا في البنية الاجتماعية للمجتمع المغربي. ووفقًا لبيانات المجلس الأعلى للسلطة القضائية، تجاوز عدد حالات الطلاق المسجّلة خلال سنة 2024 أربعين ألف حالة، بمعدل يناهز 110 حالات يوميًا، ما يسلّط الضوء على تصدّع الروابط العائلية ويدق ناقوس الخطر حول استقرار الأسرة. وفي مواجهة هذا الوضع، تبنّت الحكومة المغربية استراتيجية وطنية متكاملة تسعى إلى الحد من الظاهرة، من خلال إجراءات وقائية ودعم اجتماعي ومواكبة نفسية وتربوية تروم حماية الأسرة وصون تماسكها.
من دفء الجماعة إلى عزلة الأسرة النووية
وفي تشخيصها للوضع، أوضحت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة نعيمة بنحيى، خلال جلسة برلمانية، أنّ ارتفاع معدلات الطلاق لا يرتبط فقط بخلافات زوجية أو اضطرابات عاطفية، بل يعكس تحولات هيكلية عميقة في المجتمع. فقد انتقل المغرب من نموذج الأسرة الممتدة التي كانت تشكل شبكة دعم وتضامن، إلى نموذج الأسرة النووية التي تواجه ضغوط الحياة الحديثة بمفردها. وإلى جانب التغيرات الاجتماعية، تُفاقم الصعوبات الاقتصادية، وضغط العمل، وغياب الوساطة الأسرية، هشاشة العلاقات الزوجية وتزيد من احتمالات الانفصال.
تأهيل الشباب: نحو زواج أكثر وعياً ومسؤولية
وفي مواجهة هذه التحديات، أطلقت الوزارة برنامجًا وطنيًا لتأهيل المقبلين على الزواج، يتضمن تكوينات قانونية ونفسية وتربوية تُقدَّم حضورياً أو عبر المنصات الرقمية، بهدف بناء وعي جديد بمسؤوليات الحياة الزوجية. كما تشمل الإجراءات تيسير ولوج الشباب للسكن والخدمات الأساسية، وإطلاق مشاورات وطنية موسعة حول السياسة الأسرية الجديدة في ضوء إصلاح مدونة الأسرة، قصد بلورة رؤية مشتركة تعزز ثقافة الحوار والتفاهم داخل البيوت المغربية.
فضاءات للأسرة: جسور للدعم والمصالحة
وفي الميدان، تم إنشاء خمسة وخمسين فضاءً للأسرة عبر مختلف جهات المملكة لتقديم خدمات موجهة للأزواج تشمل الاستشارة، والمواكبة النفسية، ودورات الإعداد للزواج. كما تم إحداث تسع وأربعين حضانة اجتماعية لدعم التوفيق بين الحياة المهنية والأسرية، بتمويل يقارب 250 مليون درهم. وتعمل الوزارة أيضًا على تطوير اقتصاد الرعاية لتخفيف الأعباء المنزلية عن النساء، وتكوين وسطاء أسريين مختصين في فض النزاعات داخل الأسرة بطرق سلمية تُعيد إلى العلاقات بريقها المفقود.
الأسرة: قضية وطن
وتؤكد بنحيى أنّ الحكومة تراهن على معالجة أسباب الطلاق قبل وقوعه عبر التوعية والدعم المادي والوساطة الاجتماعية، معتبرة أن نتائج هذه الجهود لن تتضح إلا على المدى المتوسط. ومع ذلك، فإنّ هذه المبادرات تعبّر عن وعي متزايد بأن حماية الأسرة قضية وطنية تمسّ توازن المجتمع واستقراره، وأنّ الحفاظ على البيت المغربي المتماسك هو في جوهره حفاظ على روح الأمة نفسها.
علاء البكري



