يطل “مؤشر المعرفة العالمي 2025” الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، كمرآة واسعة تعكس موقع الدول في سباق المعرفة. وفي هذه الصورة الممتدة على مئة وخمس وتسعين دولة، يقف المغرب في المرتبة التاسعة والثمانين محققًا خمسًا وثلاثين نقطة فاصلة تسعة من أصل مئة، في موقع متوسط يشي بإرادة واضحة لالتماس الصعود، ويكشف في الوقت ذاته عن عوائق تحول دون بلوغ اقتصاد قائم على المعرفة.
التعليم: المفصل الذي يثقل خطوات التحول
يُبرز التقرير التعليم بوصفه الحلقة الأكثر هشاشة، إذ تراجع التعليم قبل الجامعي إلى المرتبة مئة وتسعة وعشرين عالميًا بثمانٍ وأربعين نقطة، مع تفاوت لافت بين بيئة التعلم التي بلغت تسعًا وخمسين نقطة والنتائج التي توقفت عند إحدى وأربعين نقطة. ويشير هذا التفاوت إلى مسارات تعليمية لا تثمر بالشكل المنشود، ويجعل الطريق نحو تكوين أجيال قادرة على المنافسة أكثر تعقيدًا.
كما حل التعليم التقني والمهني والتعليم العالي في المرتبة مئة وسبعة عشر عالميًا بسبعٍ وثلاثين نقطة، رغم الأداء الجيد نسبيًا لبيئة التعلم التي حققت سبعًا وسبعين نقطة. ولم تتجاوز النتائج النهائية ست عشرة نقطة، ما يؤكد محدودية القدرة على إعداد كفاءات تستجيب لمتطلبات سوق العمل المعرفي.
البحث والابتكار: محاولات تتلمس أفق الإنتاج العلمي
سجل مكون البحث والتطوير والابتكار أداءً متواضعًا، بست عشرة نقطة في البحث العلمي وخمس عشرة نقطة في الابتكار، محتلاً المرتبة ستة وثمانين عالميًا. وتكشف هذه الأرقام عن محدودية المخزون الوطني من الإنتاج العلمي والتكنولوجي، في زمن تتسارع فيه الدول نحو الاستثمار المكثف في المعرفة كرافعة اقتصادية واستراتيجية.
البنية الرقمية: مسار يواجه بطئًا واضحًا
في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، حل المغرب في المرتبة الثالثة والثمانين بثمانٍ وثلاثين نقطة، ضمن مستوى “المتوسط الأدنى”. ويشير التقرير إلى ضعف البنية الرقمية، خصوصًا في تقنيات الجيلين الرابع والخامس وشبكات تبادل الإنترنت، ما يعيق تعزيز تنافسية البلاد في الاقتصاد الرقمي.
أما الاقتصاد المرتبط بالمعرفة فسجل ثمانٍ وثلاثين نقطة أيضًا في المرتبة المئة، في مؤشر على بطء التحول نحو القطاعات ذات القيمة المضافة التكنولوجية.
ومضات قوة: الحكامة والبيئة المجتمعية
وعلى الرغم من التحديات، يظهر التقرير منطقة أكثر إشراقًا في أداء المغرب، حيث سجل مكون البيئة والمجتمع والحكامة اثنتين وخمسين نقطة فاصلة ثلاثة محتلاً المرتبة السبعين عالميًا، وهو المجال الأكثر توازنًا في خارطة المؤشر الوطني.
بين الواقع والطموح
تُظهر الدول المتصدرة للمؤشر، مثل سويسرا وسنغافورة والسويد، انسجامًا بين التعليم والبحث والابتكار والبنية الرقمية، فيما تعيش التجربة المغربية تفاوتًا واضحًا بين حكامة متقدمة نسبيًا وأداء محدود في التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار. ويخلص التقرير إلى أن الارتقاء في المؤشر العالمي للمعرفة يحتاج إلى إصلاحات متوازنة تمس التعليم والبحث والمؤسسات والاقتصاد، بما يمنح المغرب قدرة أقوى على التقدم في السنوات المقبلة، ويجعل طموحه العلمي أقرب إلى واقع يتحقق خطوة بعد خطوة.
علاء البكري



