رائدات

“زهرة الأقحوان” الفلسطينية.. منظمة نسوية سرّية قبيل النكبة

بعد 50 عاما من نكبة فلسطين كانت مهيبة خورشيد تضع شعار "زهرة الأقحوان" على صدرها مصنوع من الصدف وصلها كهدية من المهاتما غاندي بعد أن سمع بنضال المنظمة

تُعرف “زهرة الأقحوان” كواحدة من أشهر زهور فلسطين البرية خلال موسم الربيع، لكنه أيضا الاسم الذي حملته أول منظمة نسوية سرّية نشطت في مقاومة الاحتلال وشنت هجمات عسكرية استهدفت العصابات الصهيونية بمدينة يافا قبيل نكبة فلسطين عام 1948.

وتناولت مصادر محدودة نشاط المنظمة وبمعلومات متضاربة حول أسماء المؤسِّسات، وطبيعة عملها الذي قيل إنها نشطت في مجال التمريض عام 1947، بينما تحدث مصدر عن نشاطها المسلح، وآخر قال إن قيادتها كانت لرجل.

الشقيقتان مهيبة وناريمان خورشيد

لكن بحثاً توثيقاً اعتمد منهج التاريخ الشفوي، أجرته الكاتبة والباحثة الفلسطينية فيحاء عبد الهادي، لدائرة تطوير مشاركة المرأة في وزارة التخطيط الفلسطينية، أكد أن مؤسستي المنظمة هما الشقيقتان مهيبة وناريمان خورشيد.

وفي حين قدمت المنظمة فعلا خدمات التمريض ومساعدة الفقراء والطلاب، إلاّ أن عملها تحول إلى النضال المسلح، واستطاعت عضواتها شن عدة عمليات عسكرية.

وأظهر البحث أن جمعية “زهرة الأقحوان” تأسست عام 1947 على يد الشقيقتين مهيبة وناريمان خورشيد، وانضم إليهما عدد من النساء الفلسطينيات، وبعض الرجال العرب والأجانب.

وعملت المنظمة حتى وقوع النكبة وتهجير غالبية أهالي مناطق فلسطين التي احتلت عام 1948.

وفي عام 1998، تمكنت الباحثة آمال الآغا برفقة فيحاء عبد الهادي من الوصول إلى مكان إقامة الشقيقتين في القاهرة. وأجرت مقابلة مع مهيبة خورشيد (ولدت مهيبة خورشيد عام 1925 في يافا وتوفيت 1999عام في القاهرة). كما أجرت الآغا مقابلة مع ناريمان خورشيد في العام نفسه.

ونشرت نتائج البحث في كتاب بعنوان “أدوار المرأة الفلسطينية في الأربعينيات: المساهمة السياسية للمرأة الفلسطينية” عام 2006.

نقطة التحول

تذكر مهيبة خورشيد في مقابلتها أن نقطة التحول من نشاطها الاجتماعي والتعليمي إلى العسكري عندما “شاهدت بأم عيني كيف تلقى طفل بعمر السادسة تقريبا، رصاصة قاتلة أمام أمه باب منزلهما في يافا.. يومها عدت إلى البيت وقررت الانتقام”.

وقالت خورشيد “منذ ذلك الحين بدأت مراسلات مع القائد عبد القادر الحسيني (استشهد في معركة القسطل أبريل/نيسان 1948)”.

وخلال مقابلة مهيبة خورشيد، حصلت الباحثات على وثائق لم تنشر سابقا عن المنظمة وأهمها “القسَم السري” الذي أدته الفتيات عند انضمامهن للمنظمة، ويعود إلى تاريخ 20 فبراير/شباط 1947. ونصه “أقسم بشرفي وديني وملتي على موالاة مبدئي، وبذل الغالي والنفيس في سبيل الخير والمساعدة لكل محتاج وضعيف، أشهدت رب العالمين على ما ذكرت، كما أنني لا أبوح به حتى الموت”.

ووقعت عليه صبحية عوض وخديجة كيلاني ومديحة البطة ونجمة عكاشة وميسر ضاهر وسنية إيراني وفايزة شلون ومبرة خالد.

وتقول فيحاء عبد الهادي إن معظم من وصل إليهن من عضوات المنظمة المذكورات في وثيقة القسم، رفضن الحديث أو أنكرن عضويتهن، كما ” تعللت مؤسستا المنظمة بضعف الذاكرة” عند السؤال عنهن وعن تفاصيل عملياتهن. وقدرّت عبد الهادي أنهن أردن الحفاظ على سرية القسم والمنظمة حتى الممات.

كانت مهيبة خورشيد معلمة رياضيات، ونشطت في مجال الرسم والنحت والعزف على الكمان، لكنها قررت التوجه للعمل العسكري، وبادرت مع شقيقتها ناريمان، وهما ابنتان لعائلة يافاوية ميسورة، لتأسيس المنظمة.

شعار “زهرة الأقحوان”

وحتى بعد 50 عاما من نكبة فلسطين، كانت مهيبة خورشيد تضع شعار “زهرة الأقحوان” على صدرها. ولم يكن شعارا عاديا للمنظمة، لكنه “الدبوس أو البروش المصنوع من الصدف على شكل زهرة أقحوان”، والذي وصلها كهدية من المهاتما غاندي بعد أن سمع بنضال المنظمة.

وسميت الجمعية باسمها الذي يدل على الحياة والجمال والديمومة، كما أن مؤسستها مهيبة خورشيد تأثرت بالزهرة القرمزية رمز الثورة الفرنسية، بالإضافة إلى ارتباط الأقحوان بربوع فلسطين ورمزية جمال الطبيعة والحرية التي يسعى إليها الفلسطينيون، كما قالت خورشيد نفسها.

في مقالة نشرت بمجلة “آخر ساعة” قبل عقود، حصلت عليها الباحثتان، تروي مهيبة خورشيد بعض التفاصيل عن عمليات المنظمة.

وتقول مهيبة إنها نشطت مع أختها ناريمان في نشر الدعوة لتأسيس المنظمة بين “آنسات الطبقة المستنيرة” في يافا، فانضمت إليهن 12 فتاة عربية، وقررن مهاجمة عناصر منظمة الهاغاناه الصهيونية “في مواقعهم ومخابئهم” بعد أن تهيأت لهن فرصة التسلح بالمدافع الرشاشة والبنادق.

هجمات مباغتة ضد العصابات الصهيونية

واعتمدت المنظمة على شن هجمات مباغتة ضد العصابات الصهيونية، وقالت خورشيد إن “قوات المجاهدين العرب كانت تحمي ظهورنا وتشد أزرنا”.

وذكرت خورشيد “حدث ذات مرة أن قررنا مهاجمة وكر صهيوني كانت تكمن فيه جماعة منهم تنزل بالقرى العربية أذى كبيرا، وحاول إخوتنا العرب أن يصرفونا عن هذا العمل لخطورته ولكننا لم نتردد وهاجمنا الوكر الصهيوني في ظلام الليل.. حاول رئيسهم أن يهاجمنا فعاجلته برصاصة أردته، فرفع الباقون أيديهم وسلموا أنفسهم فسقناهم إلى المعسكر العربي”.

وفي إحدى الهجمات، تروي خورشيد أنها كادت تقع في الأسر بعد أن نفدت ذخيرتها وأصابتها الشظايا لكن عددا من المجاهدين العرب هبوا لنجدتها.

وتقول إنها لاحظت بعد هذه الحادثة أن ذخيرة المجاهدين الفلسطينيين جميعا بدأت بالنفاد، فقررت السفر إلى عمّان وقصدت القصر الملكي لطلب الدعم بالسلاح. لكنها ذكرت في مقابلتها عام 1998 أنها أرسلت شقيقتها ناريمان لطلب الدعم من خارج فلسطين.

في إطار عملهن السري، تقول فيحاء عبد الهادي إن عضوات المنظمة ارتدين لباس الرجال ووضعن اللثام للتخفي في هيئة رجال.

ولا يزال “السروال” الذي ارتدته ناريمان خورشيد في عمليات المنظمة موجودا لدى عائلتها في القاهرة إلى جانب منظار عسكري استخدمته عضوات المنظمة في الرصد والمتابعة.

منظمة عسكرية نسوية

وفي إطار التدريب، سافرت ناريمان خورشيد قبل شهور من النكبة إلى مصر لتعلم الطيران، وكان حلمها أن تستخدم هذا في المقاومة، وما زالت عائلتها تحتفظ بصورتها بلباس الطيارين إلى جانب طائرة في أحد المعاهد العسكرية المصرية بمنطقة “إمبابة”.

ووثق البحث الذي دون في كتاب “أدوار المرأة الفلسطينية في الثلاثينيات: المساهمة السياسية للمرأة الفلسطينية” تجارب نسوية هامة قبل النكبة خاصة، ومنها مشاركة النساء في تدريبات عسكرية مثل تجربة ميمنة ابنة الشهيد عز الدين القسام وأخريات تدربن على يده شخصيا قبل استشهاده عام 1935.

لكن تجربة تشكيل منظمة عسكرية نسوية كزهرة الأقحوان، تعبر برأي عبد الهادي، عن تطور نشاط النساء في المقاومة خاصة وفي العمل الوطني عامة. كما يعكس الإيمان بقدرتهن على التخطيط وقيادة مهمات عسكرية وتجنيد المال والسلاح لها، في حين كان الاعتقاد أن ذلك حكر على المجاهدين من الرجال.

المصدر : الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى