تحفة القرّاء في رحلة ابن بطوطة الغرّاء (8)

- Advertisement -

علاء البكري

خرج ابن بطوطة من مسقط رأسه طنجة، وهي المدينة الصغيرة ذات المجتمع الضيق، ومن ثقافة شيوخه الدينية والتراثية، إلى عالم أرحب، وبلدان مختلفة، ومجتمعات متعددة بتعدد ثقافاتها.

لعلَّ أول ما صادفه رحالتنا ابن بطوطة إبان وصوله بلاد الهند وأثار تعجبه وشد فضوله، قصص السحرة الجوكية، فيذكر بعضا من أخبارهم  الكثيرة مما عاينه وسمع عنه، فعند نزوله بمدينة منجرور (بنغالو، اليوم)، رأى ابن بطوطة رجلاً من المسلمين ممن يتعلم من هؤلاء السحرة، وقد رُفعت له طبلة، أقام بأعلاها، لا يأكل ولا يشرب مدة خمسة وعشرين يوماً، يقول ابن بطوطة : “وتركته كذلك، فلا أدري كم أقام بعدي”. وعند استفساره واستقصائه عن حقيقة أمرهم، أخبروه أن هؤلاء السحرة الجوكية إنما يُركِّبون حبوباً، يأكلون الحبة منها لِأيام معلومة وأشهر، فلا يحتاجون في تلك المدة إلى طعام ولا شراب. ويُخَبِّرون بأمور مشينة معيبة. ومنهم من يقتصر في أكله على البقل، ومنهم من لا يأكل اللحم وهم النسبة الساحقة، والأعجب من هذا وذاك أن منهم من ينظر إلى الإنسان نظرة فَيَخِرُّ ميّتاً من نظراته، وتقول العامة من الناس إنه إذا قُتِل شخص بالنظر، وشُقّ عن صدره، وُجِد دون قلب. ويقولون: أكل قلبه، وأكثر ما يكون هذا في النساء. والمرأة التي تفعل ذلك تسمى عندهم كفتارة.

 وعند توليه القضاء بمدينة دهلي الهندية (نيودلهي، اليوم) يسرد ابن بطوطة حكاية إحدى النساء الكفتاريات التي شهدها وعاينها بنفسه، وأكدت له حقيقة ما سمعه عن هؤلاء الطائفة. فيحكي أن مجاعة عظمى طالت بلاد الهند بسبب القحط، فأمر السلطان أن يُعطى لأهل دهلي ما يقوتهم بقدر رطل ونصف لكل واحد في اليوم. فجمعهم الوزير، ووزع المساكين منهم على الأمراء والقضاة ليتكلفوا بإطعامهم. فتولى ابن بطوطة على خمسمائة نفس منهم، فعمر لهم سقائف في دارين – والسقائف جمع سقيفة، وهي بناء بارز يُبنى فوق باب الدار ويستظل به – فأسكنهم بها. وكان يعطيهم نفقتهم خمسة أيام. فلما كان في بعض الأيام جاؤوه بامرأة منهم وأخبروه بأنها امرأة كفتارة، وقد أكلت صبيّاً كان إلى جانبها. وأتوا بالصبي ميّتاً. فأمرهم ابن بطوطة أن يذهبوا بها إلى نائب السلطان، فأمر باختبارها، وذلك بأن ملأوا أربع جرات بالماء وربطوها بيديها ورجليها ثم طرحوها في نهر الجون، فلم تغرق. فعلموا أنها كفتارة، ولو لم تطفُ على الماء لم تكن بكفتارة. فأمر نائب السلطان بإحراقها بالنار. وأتى أهل البلد رجالا ونساء فأخذوا رمادها بعد حرقها، وزعموا أنه من يتبخر به يأمن في تلك السنة من سحر كفتار.