خريطة المغرب

دعتني البروفيسورة كارا، أستاذة الأدب الإنجليزي في جامعة تينيسي، لحضور محاضرتها والتحدث لطلابها عن بلدي، المغرب. كنت سعيدة للغاية بهذه الدعوة التي قبلتها بسرور كبير. كان من المقرر أن تتم هذه اللقاءات في مركز المؤتمرات بالجامعة.

كمقدمة لتدخلي، رغبت كارا في تقديم الموقع الجغرافي للمغرب. فقامت بعرض خريطة العالم. وعندها رأيت أن المغرب قد تم تقليصه من مناطقه الجنوبية. كدت أفقد صوابي واضطررت لبذل جهد كبير للحفاظ على هدوئي والتزام الأدب، في انتظار أن يُسمح لي بالكلام للتفاعل.

الخريطة: أداة بصرية قوية

عشت دقائق الخطاب الافتتاحي لكارا، التي كانت لطيفة ومهذبة، كالكابوس. كل الجهود التي بذلها الشعب والدولة المغربية للاعتراف بمناطقه الصحراوية، وجدت نفسي أمامها وقد تم تقليصها في واحدة من أقدم الجامعات الأمريكية. 

لطالما كانت الخرائط تُعد من قبل خدمات الدول، لكنها أصبحت شائعة بفضل تطور الأدوات الرقمية، مما غير طبيعة الخريطة كأداة. ما كان في السابق موضوعاً رمزياً في الجغرافيا، وأداة تُحدد مكاننا على الأرض وتساعد في تحليل البيانات لتمثيل الأراضي، من خلال تعريف الأماكن والطرق وحدودها، أصبح الآن أداة مساعدة في اتخاذ القرارات ووسيلة للتواصل. استمر الخطاب لمدة 8 إلى 10 دقائق، التي بدت لي وكأنها دهر.

أبدأ بتصحيح خريطة المغرب

وأخيراً، جاء الفرج، حيث تم دعوتي للكلام، وبعد العبارات المعتادة، لم أتمكن من البدء إلا بتصحيح خريطة المغرب. أصبح وجه كارا أحمر كالدم، واعتذرت كثيراً، موضحة أنها أخذت الخريطة من الإنترنت، ودعَتني للبحث عن خريطة أخرى بسرعة. عندها أدركت أننا نعيش في ثورة رقمية تُفقد الدول تدريجياً السيطرة على بياناتها الجغرافية. فالأدوات مثل التصوير بالأقمار الصناعية، والخرائط الافتراضية مثل جوجل إيرث، ونظام تحديد المواقع (GPS)، والطائرات المسيرة، تتيح الآن بضع نقرات فقط لإنتاج خرائط مخصصة، مما يسبب فقدان سيادة الدول على تمثيل أراضيها الوطنية. 

بعد تصحيح الخريطة، بدأ النقاش. لكن ما لامس مشاعري هو أن كارا أصرت على الاعتذار مرة أخرى في نهاية الجلسة.

حادث غير محصور

كنت أعتقد أن الأمر كان مجرد حادث مهم، لكنه محدود. لكن دهشتي كانت كبيرة عندما ذهبت في اليوم التالي إلى البيت الدولي بالجامعة، ووجدت خريطة للعالم معلقة في مكان استراتيجي على ورق كبير الحجم، تمثل المغرب بدون مناطقه الجنوبية. 

طلبت من مديرة المركز التي أصبحت هي كذالك صديقتي أن ترافقني، وأظهرت لها الخريطة، وأوضحت لها أن حتى الموقع الرسمي للبيت الأبيض ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA) يعرضان الآن الخريطة الصحيحة للمغرب. هي أيضاً اعتذرت كثيراً. لكن المشكلة كانت أن الخريطة قديمة، وتم وضعها هناك منذ الستينات. 

لدى الأمريكيين حساسية خاصة تجاه كل ما هو قديم. بالنسبة لهم، هذه أشياء يجب الحفاظ عليها وحمايتها. فما الذي يمكننا فعله في هذه الحالة؟ كان من المستحيل إزالة أو لمس هذه الخريطة. تم إيجاد حل بعد استشارة باقي الأعضاء: وضع تاريخ تلك الخريط  بشكل بارز. حل غير كافٍ، لكنه أفضل من لا شيء.

خريطة المغرب الكاملة على مواقع CIA والبيت الأبيض

منذ هذين الحادثين، بدأت أتنقل بين الأقسام المختلفة في الحرم الجامعي للإشارة إلى الخرائط. البعض منها يمكن تصحيحه، والبعض الآخر لا. وأبرر تحركي بأن وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) والبيت الأبيض قد قاما مؤخراً بتحديث موقعهما الرسمي مع خريطة جديدة ومعلومات عن المغرب. وأشرح أن الخريطة المحدثة تُظهر كامل التراب المغربي، معترفاً بشكل صريح بالصحراء كجزء لا يتجزأ من المغرب، بلد شمال إفريقيا.

كما أوضحت أن العلاقات الأمريكية المغربية قد بلغت نقطة تحول تاريخية في عام 2020، عندما اعترفت إدارة ترامب رسمياً بسيادة المغرب على كامل تراب الصحراء الغربية. وقد ترافق هذا الاعتراف مع دعم أمريكي لمقترح الحكم الذاتي للمغرب، الذي وُصف بأنه “جدي وقابل للتطبيق وواقعي” و”الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع”