كشفت دراسة ألمانية حديثة عن تزايد إدمان المراهقين على تطبيقات التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية بمعدلات تتجاوز إدمانهم على الكحول والقنب.
وأظهرت الدراسة، التي أجرتها جامعة هامبورغ-إيبيندورف بالتعاون مع شركة التأمين الصحي DAK، أن أكثر من ربع المراهقين بين 10 و17 عامًا يظهرون سلوكًا خطيرًا في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
فيما يعاني أربعة فاصلة سبعة في المئة منهم من إدمان حقيقي على هذه التطبيقات.
تسونامي من اضطرابات الإدمان الرقمي
ووصف رينير توماسيوس، المدير الطبي للمركز الألماني لحالات الإدمان في الطفولة والمراهقة، هذه الظاهرة بأنها “تسونامي من اضطرابات الإدمان بين صغار السن”، مؤكدًا أن المجتمع لا يزال يقلل من شأنها.
وأوضح أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي المفرط أكثر شيوعًا بمقدار خمسة إلى خمسين مرة من تعاطي الكحول والقنب لدى هذه الفئة العمرية.
وأشار توماسيوس إلى أن إدمان التطبيقات الرقمية يؤثر على “نظام المكافأة في الدماغ” بنفس الطريقة التي تؤثر بها المخدرات، حيث يشعر المراهق بحاجة متزايدة لقضاء المزيد من الوقت على هذه المنصات، ما يؤدي إلى فقدان السيطرة على سلوكهم الرقمي.
انعكاسات خطيرة على التحصيل الدراسي والحياة الاجتماعية
وتؤدي هذه العادة الرقمية المفرطة إلى إهمال الجوانب الأساسية في حياة المراهقين، حيث تراجعت معدلات الأداء الدراسي بشكل ملحوظ بين المستخدمين المفرطين لهذه التطبيقات، ما قد يصل إلى الفشل الأكاديمي الكامل.
كما ينعكس ذلك على الحياة الاجتماعية للمراهقين، إذ يعاني البعض من العزلة الاجتماعية، وانخفاض الاهتمام بالأنشطة الترفيهية التقليدية، وزيادة التوتر داخل الأسرة.
وتؤكد الدراسة أن الصبية أكثر تأثرًا بالإدمان الرقمي مقارنة بالفتيات، حيث يعاني ستة في المئة من الفتيان من الاستخدام المرضي لوسائل التواصل الاجتماعي، مقابل 3.2% فقط من الفتيات.
ويرجع الباحثون ذلك إلى أن الفتيات يملكن مهارات اجتماعية أقوى تساعدهن على توزيع انتباههن بين الحياة الرقمية والتواصل الواقعي، في حين يميل الصبية إلى العزلة والانغماس في العالم الرقمي بوتيرة أكبر.
كيف يمكن للآباء التدخل؟
ويشدد الباحثون على أن التدخل المبكر للوالدين يلعب دورًا حاسمًا في منع تطور الإدمان الرقمي لدى الأطفال والمراهقين.
وينصح توماسيوس الآباء بضرورة الوعي بسلوكيات أبنائهم الرقمية من خلال تحديد وقت استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومراقبته بانتظام، إلى جانب متابعة المحتوى الذي يستهلكه الأبناء عبر الإنترنت وتقييم مدى تأثيره عليهم.
كما يؤكد على أهمية إقامة حوار مستمر مع الأطفال حول مخاطر الاستخدام المفرط وتعزيز الأنشطة البديلة التي تشجع على التفاعل الاجتماعي الواقعي، مع ضرورة التحلي بالصبر والاتساق في وضع القواعد الرقمية داخل المنزل.
ومع ذلك، تواجه العديد من العائلات صعوبة في تطبيق هذه التوجيهات، حيث كشفت الدراسة أن أربعين بالمئة من الآباء لا يضعون أي قيود زمنية على استخدام أطفالهم لوسائل التواصل الاجتماعي.
بينما لا يشرف خمسة وعشرون بالمئة منهم على المحتوى الذي يتعرض له أبناؤهم عبر الإنترنت، مما يزيد من خطورة المشكلة
نحو نهج تربوي جديد لمواجهة الإدمان الرقمي
ويشدد توماسيوس على أن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب تطوير مهارات إعلامية حديثة لدى الآباء، بالإضافة إلى اتباع استراتيجيات تربوية متماسكة لضمان الاستخدام الآمن للتكنولوجيا.
وأكد أن المعرفة الرقمية للآباء يجب أن تتجاوز معرفة أبنائهم، حتى يتمكنوا من توجيههم بشكل فعال في بيئة رقمية مليئة بالمخاطر.
