في كشف مثير للقلق، أماطت دراسة حديثة اللثام عن احتواء الغالبية العظمى من معاجين الأسنان المتداولة في الأسواق، بما في ذلك تلك الموجهة للأطفال أو المسوقة على أنها “طبيعية”، على نسب مقلقة من المعادن الثقيلة السامة، وفي مقدمتها الرصاص.
تحليل 51 علامة تجارية يكشف الواقع الصادم
الدراسة، التي أجرتها منظمة “Lead Safe Mama” الأمريكية ونشرتها صحيفة The Guardian البريطانية، شملت تحليلاً دقيقًا لخمسين علامة تجارية من معجون الأسنان.
وأظهرت النتائج أن ما يقرب من تسعين بالمئة من هذه المنتجات تحتوي على الرصاص، بينما وُجد الزرنيخ في أكثر من نصفها، إلى جانب الزئبق والكادميوم بنسب متفاوتة، بعضها وصل حد الجمع بين أكثر من معدن سام في نفس المنتج.
واعتبر الباحثون أن هذه النتائج تعد مؤشرًا خطيرًا يثير تساؤلات جوهرية حول سلامة هذه المنتجات واسعة الاستهلاك، خصوصًا في ظل هشاشة الأنظمة الرقابية التي يُفترض أن تحمي المستهلك.
المعايير الفيدرالية في مرمى الانتقاد
ووفق الدراسة، فقد تجاوزت بعض العينات مستويات التلوث المسموح بها في ولاية واشنطن الأمريكية، حتى وإن ظلت ضمن الحدود التي تعتمدها القوانين الفيدرالية.
غير أن خبراء الصحة العامة يرون أن هذه الحدود نفسها لا توفر الحماية الكافية، خصوصًا للأطفال، الذين يُعدّ تعرضهم للرصاص، حتى بكميات ضئيلة، خطرًا مؤكدًا على نموهم العصبي وصحتهم العامة.
تحذيرات من تقاعس الشركات وتجاهل القضية
وفي هذا الشأن، عبّرت تمارا روبين، مؤسسة المنظمة التي أجرت التحقيق، عن استيائها البالغ من النتائج، مؤكدة أن وجود الرصاص في معجون الأسنان في عام 2025 أمر “غير مقبول إطلاقًا”.
وانتقدت روبين ما اعتبرته تجاهلًا ممنهجًا من قبل الشركات والمؤسسات الصحية لهذا الملف الخطير، قائلة إن أحدًا لم يتعامل مع هذه القضية باعتبارها أولوية صحية تستوجب التدقيق العاجل والمحاسبة.
المكونات “الطبيعية”.. مصدر الخطر؟
وذهبت روبين إلى توضيح أن بعض المكونات الطبيعية التي تُستخدم عادة في تركيبة معاجين الأسنان، مثل “الطين البنتوني” و”كربونات الكالسيوم” و”هيدروكسي أباتيت”، هي من بين المصادر المحتملة للتلوث بالمعادن السامة.
ورغم الترويج لهذه المكونات على أنها مفيدة لصحة الفم، إلا أن تحليلها بشكل مستقل أظهر احتواءها على كميات غير آمنة من الرصاص وغيره من المعادن الثقيلة.
شركات كبرى في دائرة الاتهام
وشمل التحقيق أسماء بارزة في عالم العناية بالفم، من بينها “كريست”، “سينسوداين”، “تومز أوف ماين”، “دكتور برونر”، “دافيدز”، و”دكتور جين”.
ومع أن بعض هذه العلامات التجارية تلقت نتائج التحليل، فإنها لم تُبد استعدادًا فوريًا لاتخاذ إجراءات لتقليص نسب المعادن السامة، بل إن بعض الشركات، بحسب روبين، ذهبت حد إرسال رسائل إنذار قانونية لفريق التحقيق، ما يعكس توجهًا دفاعيًا بدلًا من تحمل المسؤولية.
بصيص أمل من معاجين الأطفال الآمنة
ورغم الصورة القاتمة التي رسمتها الدراسة، إلا أن بصيص أمل لم يغب تمامًا. فقد أظهرت نتائج التحاليل أن بعض معاجين الأطفال، مثل منتج “Dr Brown’s Baby Toothpaste”، خلت تمامًا من أي معادن سامة، ما يدل على أن صناعة بدائل آمنة وفعالة ليست مجرد حلم، بل واقع ممكن يتطلب فقط إرادة سياسية ومهنية صادقة.