تشهد أوروبا موجة حر غير مسبوقة دفعت العديد من البلدان إلى إعلان حالات تأهب قصوى، واتخاذ إجراءات صارمة لحماية السكان والبنى التحتية من تداعيات درجات الحرارة العالية.
باريس تشدد القيود وتغلق معالم شهيرة
في العاصمة الفرنسية باريس، أُعلنت حالة التأهب القصوى الثلاثاء مع توقعات بوصول الحرارة إلى ذروتها. وأُغلق القسم العلوي من برج إيفل كإجراء احترازي أمام الزوار حتى الأربعاء، فيما أبقى المشغلون الطابقين الأول والثاني مفتوحين مع تقديم نصائح للزوار بتجنّب التعرض المباشر للشمس وشرب كميات كافية من الماء، إضافة إلى توفير نوافير مياه في الساحات المحيطة.
وفي ظل ارتفاع مستويات تلوث الأوزون، فرضت السلطات قيودًا مشددة على حركة المركبات، فحظرت سير السيارات الأكثر تسببا للتلوث في منطقة إيل دو فرانس التي تشمل باريس، وقلّصت السرعة في بعض الشوارع إلى 20 كيلومترا في الساعة للحد من الانبعاثات.
المدارس والقطارات تتأثر
على مستوى قطاع التعليم، توقعت الحكومة الفرنسية إغلاق نحو 1350 مدرسة جزئيًا أو كليًا بسبب ظروف الفصول الدراسية الحارة ونقص التهوية، وهو عدد يزيد عن ضعف المدارس التي أُغلقت الإثنين. وتم توجيه تحذيرات خاصة للأطفال والمسنين والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة.
وفي قطاع النقل، أُعلنت الشركة الوطنية للسكك الحديدية تعليق الرحلات بين باريس وميلانو لعدة أيام على الأقل، بعد عواصف رعدية ضربت منطقة سافوا وتسببت في أضرار قد تستدعي تمديد فترة التوقف.
موجة حر تمتد عبر جنوب ووسط أوروبا
لا يقتصر تأثير موجة الحر على فرنسا فقط، بل يمتد ليشمل معظم دول حوض البحر المتوسط. ففي إسبانيا، تجاوزت درجات الحرارة 46 درجة مئوية في الجنوب، مسجلة رقمًا قياسيًا لشهر يونيو، فيما يتوقع أن تستمر الحرارة بين أواخر الثلاثينات ومنتصف الأربعينات مئوية في الأيام المقبلة.
وفي البرتغال، ورغم انخفاض مستوى التأهب القصوى في بعض المناطق، فإن درجات الحرارة تواصل الارتفاع مع توقع بلوغها 40 درجة مئوية في مدن مثل كاستل برانكو وباجة وإيفورا. وشهد الساحل الشمالي والوسطي ظاهرة نادرة تمثلت في ظهور سحابة لولبية ضخمة رافقتها رياح قوية أدهشت المصطافين وأثارت القلق بينهم.
إيطاليا والبلقان في دائرة الخطر
في إيطاليا، تم إعلان حالة التأهب القصوى في 18 مدينة كبرى مثل روما وميلانو وفيرونا، إضافة إلى مناطق على ساحل البحر الأدرياتيكي في كرواتيا ومونتينيغرو. وزادت الأحوال الجوية السيئة الوضع تعقيدًا، إذ تسببت أمطار غزيرة وفيضانات في إقليم بيمنته بوفاة رجل يبلغ من العمر 70 عامًا.
وعلق رئيس الإقليم بأن الأحوال الجوية المتطرفة، التي كانت تُعد في السابق أحداثًا استثنائية، باتت تحدث بوتيرة متزايدة، ما يعكس آثار التغير المناخي بوضوح.
حرائق غابات تهدد البرتغال وتركيا واليونان
يتزامن ارتفاع درجات الحرارة مع مخاطر حرائق غابات واسعة النطاق، إذ لا يزال خطر اندلاع النيران مرتفعًا في عدة مناطق برتغالية، حيث يكافح المئات من رجال الإطفاء لإخماد حرائق نشبت في ألجوستريل جنوب البلاد.
وفي تركيا، أجبرت الحرائق فرق الإنقاذ على إجلاء أكثر من 50 ألف شخص من محافظة إزمير، بعد أن ساعدت رياح قوية بسرعة بلغت 120 كيلومترًا في الساعة في توسع رقعة النيران. كما شهدت اليونان اندلاع حرائق مماثلة في مناطق عدة.
تغير مناخي يجعل موجات الحر أشد تواترًا
يؤكد العلماء أن التغير المناخي الناتج عن الأنشطة البشرية يزيد من حدة وتكرار موجات الحر ويضاعف آثارها المدمرة. وقال أكشاي ديوراس، الباحث لدى المركز الوطني البريطاني لعلوم الغلاف الجوي، إن موجات الحر ينبغي التعامل معها بنفس الجدية التي يوليها العالم للكوارث الجوية الكبرى مثل العواصف والأعاصير.
كما سجل البحر الأبيض المتوسط درجة حرارة قياسية لشهر يونيو بلغت 26,01 درجة مئوية، بحسب بيانات برنامج كوبرنيكوس الأوروبي، ما يعكس تغيرًا ملحوظًا في النظام المناخي الإقليمي.