ما تزال الجامعة المغربية، على رحابة فضائها العلمي وتنوّع مسالكها، تعكس ملامح مجتمعٍ لم يكتمل فيه بعدُ التوازن بين الكفاءة والمسؤولية.
وفي هذا الشأن، تكشف الإحصائيات الأخيرة استمرار غياب النساء عن رئاسة الجامعات، وضعف تمثيلهن في مواقع صنع القرار داخل المؤسسات الجامعية، رغم حضورهن اللافت في مختلف المستويات الأكاديمية والإدارية.
أرقام تروي الفجوة
ووفق المعطيات الإحصائية المضمَّنة في مشروع قانون المالية لسنة ألفين وستة وعشرين، بلغ عدد المسؤولات في الجامعات المغربية أربعمئة وتسع وستين مسؤولة، من بينهن نائبتان فقط لرئيس جامعة، وثلاث عشرة عميدة كلية، وعشر مديراتٍ لمدارس ومعاهد جامعية.
أما منصب نائبة العميد، فتشغله ثلاثون امرأة، في حين تتولى خمس عشرة مديرة مساعدة مهامهن في المدارس العليا والمعاهد، إلى جانب كاتبةٍ عامةٍ وحيدة على مستوى إحدى الجامعات.
وفي ردهات الإدارة الجامعية، تتوزع المسؤولات بين أربعٍ وعشرين كاتبةً عامةً للمؤسسات الجامعية، وسبع رئيسات أقطاب، وأربعين رئيسة قسم، وثلاثمئة وسبعٍ وعشرين رئيسة مصلحة.
وتوحي هذه الأرقام بالحضور، لكنها تفضح في الوقت نفسه اختلال الهرم الإداري حين تُقاس من زاوية القيادة العليا.
تمثيل محتشم داخل الوزارة
وعلى مستوى الإدارة المركزية لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، تسجّل المعطيات وجود ثمانٍ وأربعين مسؤولة فقط، بينهن مديرة مركزية واحدة ومديرتان مكلفتان بمديرية وظيفية، إلى جانب عشر رئيسات أقسام وخمسٍ وثلاثين رئيسة مصلحة.
فيما تشير الأرقام إلى أن مجموع موظفي الوزارة بلغ ستةً وعشرين ألفاً وثمانمئة واثنين وتسعين موظفاً وموظفة، تشكّل النساء نسبة سبعةٍ وثلاثين فاصل ثلاثة في المئةمنهن، وفق “مشروع نجاعة الأداء”.
حضورٌ علميّ، وغيابٌ مؤسساتي
حتى خارج أسوار الجامعات، لا يختلف المشهد كثيراً. فداخل المركز الوطني للبحث العلمي والتقني (CNRST)، تشغل خمس عشرة امرأة مناصب المسؤولية، بينهن مديرة واحدة ورئيسة قسم، وثلاث عشرة رئيسة مصلحة.
أما في المكتب الوطني للأعمال الجامعية الاجتماعية والثقافية (ONOUSC)، فتتولى النساء أربع عشرة مسؤولية، بين رئيستيْ قسم وعشر رئيسات مصالح، إضافة إلى رئيستيْ مصلحة بالنيابة.
الوزير يُبرّر، والواقع يطالب
وفي حديثه أمام مجلس النواب، أوضح الوزير عز الدين ميداوي أن “ضعف تمثيلية النساء في مناصب القيادة راجعٌ إلى قلّة الترشيحات المقدَّمة من طرف الأستاذات والموظفات، اللواتي يُفضّلن الاشتغال في مواقع أقلّ مسؤولية بالنظر إلى صعوبات المهام الإدارية والقيادية”.
لكن الوزير نفسه أقرّ بأن “الرهان اليوم هو بلوغ ما بين أربعٍ وستّ نساء يشغلن رئاسة الجامعات المغربية، مع رفع نسبة حضور النساء في مراكز القرار بالمؤسسات الجامعية التابعة لها”.
ما بين الطموح والعقبات
ورغم وجاهة التبريرات، فإن الواقع يشير إلى وجود حواجز ثقافية وإدارية غير معلَنة تحدّ من وصول الكفاءات النسائية إلى القمة. فالجامعة التي تخرّج أجيالاً من الباحثات والأستاذات، ما زالت تتباطأ في الاعتراف بحقّ المرأة في أن تكون “صانعة القرار”، لا مجرد “منفذته”.
حين تنتظر الجامعة رئيستها
الجامعة المغربية لا تفتقر إلى النساء المؤهلات أكثر من افتقارها إلى ثقة مؤسساتية تُنصف كفاءتهن. فحين تتولّى المرأة إدارة مختبرٍ بحثي أو كليةٍ أو مركزٍ علمي، فإنها تُثبت كل يوم أن القيادة ليست حكراً على جنسٍ دون آخر، وإنما هي حكر على من يملك الرؤية والقدرة على البناء.
ويبقى السؤال معلّقاً في فضاء التعليم العالي: متى ستجلس أول رئيسة جامعة مغربية على كرسي القرار؟
علاء البكري



