تعد جمعية “أخوات الصفا” واحدة من أبرز المحطات في تاريخ الحركة النسائية المغربية. فقد نشأت في فترة كانت فيها قضية حقوق النساء في المغرب لا تزال في مراحلها الأولى، لكن هذه الجمعية كانت من السباقين في طرح قضايا المرأة والعمل على تحسين وضعها في المجتمع.
تأسيس الجمعية والسياق التاريخي
وتأسست جمعية “أخوات الصفا” في 23 ماي1947 بمدينة فاس، وكان ذلك بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، في وقت كانت فيه الحركات النسائية في العالم العربي والعالمي قد بدأت في التأثير بشكل كبير.
وجاءت هذه الجمعية لتكون صوت المرأة المغربية في وجه التحديات الاجتماعية والسياسية التي كانت تواجهها.
تأثرت الجمعية بالحركة الوطنية المغربية وحزب الشورى والاستقلال، الذي كان يسعى إلى إصلاح المجتمع من خلال فتح المجال للمرأة للمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية.
وتزامن تأسيس الجمعية مع التوجهات الليبرالية الإصلاحية للحزب، التي ربطت بين تحرير المرأة وتمدين المجتمع.
أهداف الجمعية ورؤيتها
أعلنت “أخوات الصفا” عن أهداف واضحة ترتكز على تحسين أوضاع النساء في المغرب. فقد ناضلت الجمعية من أجل إنهاء العادات والتقاليد التي كانت تهمش دور المرأة، ودعت إلى تعليم المرأة وتثقيفها لتكون قادرة على المشاركة الفعالة في بناء الوطن.
وكان من أبرز مطالب الجمعية منح المرأة حقوقها الأساسية، ومنها حقها في التعليم والعمل السياسي.
كما طالبت الجمعية بإلغاء التقاليد الضارة مثل تزويج الطفلات وفرض الحجاب بشكل قسري، وركزت على ضرورة تشريع قوانين تحمي كرامة المرأة وتعزز من دورها في المجتمع.
النقد والمطالب الاجتماعية
ركزت “أخوات الصفا” في نضالها على القضاء على الجهل والخرافات التي كانت تعيق تطور المرأة المغربية.
وقد اعتبرت الجمعية أن المرأة المغربية في ظل الاستعمار كانت تعيش في حالة من الجهل والتخلف، مشيرة إلى أن العادات المجتمعية الغريبة كانت تساهم في تهميش دورها.
إلى جانب ذلك، طرحت الجمعية مقترحات لتغيير النظام التعليمي وتوسيع نطاق التعليم ليشمل الفتيات في مستويات أعلى من التعليم، بدءًا من المرحلة الابتدائية وصولًا إلى مستوى البكالوريا.
وأكدت الجمعية على ضرورة مشاركة المرأة في جميع المجالات، بما في ذلك المشاركة السياسية والعسكرية، بالإضافة إلى مطالبها بسن قوانين تنظم الأحوال الشخصية للنساء.
الصعوبات والانتقادات
بعد الاستقلال، أصدر المغرب مدونة الأحوال الشخصية التي لم تلبِّ تطلعات “أخوات الصفا”، سيما أنها احتفظت ببعض الممارسات التقليدية التي كانت الجمعية قد ناضلت ضدها، مثل الوصاية على النساء في الزواج والإبقاء على تعدد الزوجات.
وانتقدت الجمعية المدونة بشدة واعتبرت أنها لم تراعِ حقوق المرأة بالشكل الكافي.
لكن مع مرور الوقت، اختفى تأثير “أخوات الصفا” بشكل تدريجي نتيجة لتراجع نشاط حزب الشورى والاستقلال وصراعاته السياسية الداخلية.
ومع ذلك، تبقى الجمعية علامة فارقة في تاريخ النضال من أجل حقوق المرأة في المغرب.
الدرس المستفاد وأثر الجمعية
رغم اختفاء الجمعية من الساحة السياسية والاجتماعية، إلا أن أثرها ما زال واضحًا في تطور حركة حقوق المرأة في المغرب.
فقد ساهمت “أخوات الصفا” في نشر الوعي حول حقوق النساء، وأسست لدعوات الإصلاح التي استمرت لعقود.
واليوم، وبعد مرور أكثر من سبعين عامًا على تأسيسها، لا تزال قضية حقوق المرأة في المغرب تحتل مكانة مهمة في الحوار العام، وتظل مطالب الجمعية بمثابة مرجعية لكثير من الناشطات في مجال حقوق النساء.
