يعد اليوم العالمي للمرأة، الذي يصادف الثامن من مارس كل عام، مناسبة لتسليط الضوء على التحديات التي تواجهها النساء في شتى أنحاء العالم، وفي نفس الوقت، الاحتفاء بما تحقق من إنجازات في مجال حقوق المرأة.
وفي هذا السياق، يعتبر المغرب واحدًا من الدول التي حققت تقدمًا ملحوظًا في تعزيز حقوق المرأة، حيث تجسد ذلك في مجموعة من القوانين والمبادرات التي تهدف إلى تمكين النساء في مختلف المجالات.
الأميرة للا عائشة: رمز تحرير المرأة المغربية
لا شك أن الأميرة للا عائشة كانت من أبرز الشخصيات التي ساهمت في تحرير المرأة المغربية ورفع مكانتها في المجتمع.
ففي عام 1947، ألقت الأميرة للا عائشة خطابًا تاريخيًا بمدينة طنجة بمناسبة زيارة الملك محمد الخامس، حيث حثت النساء على المشاركة في الحياة السياسية والمطالبة بالحرية جنبًا إلى جنب مع الرجل.
وكان لهذا الخطاب الأثر البالغ في دفع المرأة المغربية للمطالبة بحقوقها والانخراط في مختلف ميادين العمل الاجتماعي والسياسي.
أطلق عليها لقب رمز تحرير المرأة المغربية، حيث كانت لها العديد من المبادرات التي ساعدت في تغيير نظرة المجتمع إلى دور المرأة.
في عام 1947، ظهرت الأميرة للا عائشة في مدينة طنجة مرتدية ملابس أوروبية، مكشوفة الرأس ودون حجاب، وهو ما كان يتناقض مع التقاليد السائدة في ذلك الوقت.
وشكل هذا الظهور علامة فارقة في مسار تحرير المرأة المغربية، وأدى إلى تعزيز حضورها في المشهد العام.
وفي مارس 1965، عينها الملك الحسن الثاني أول سفيرة للمغرب في المملكة المتحدة، لتكون بذلك أول سفيرة في العالم العربي.
كما شغلت منصب سفيرة لدى روما وأثينا، حيث لعبت دورًا كبيرًا في تعزيز صورة المرأة المغربية في الساحة الدولية.
المرأة المغربية والبناء المجتمعي
منذ استقلال المملكة، والمرأة المغربية لم تقتصر على دورها التقليدي داخل الأسرة، بل بدأت تفرض نفسها في مختلف المجالات.
في السياسة والاقتصاد والتعليم، تمكنت المرأة المغربية من فتح أبواب جديدة لم تكن متاحة لها سابقًا.
هذا النجاح لم يكن ليتحقق لولا الكفاح المستمر والتحديات التي تخطتها النساء في المغرب، مما جعلها شريكًا رئيسيًا في التنمية المستدامة للمجتمع المغربي.
المدونة: خطوات جديدة نحو تعزيز الحقوق والتمكين
وفي إطار الجهود المستمرة لتحسين وضع المرأة المغربية، أعلن المغرب في 24 دجنبر 2024 عن إصلاحات جديدة في مدونة الأسرة تهدف إلى تعزيز حقوق النساء، بعد مشاورات استمرت عامين.
وقد شملت هذه الإصلاحات تعديلات هامة سعت إلى الحد من بعض الثغرات القانونية التي كانت تؤثر سلبًا على حقوق المرأة.
ومن أبرز التعديلات التي تم الإعلان عنها، رفع سن الاستثناء المسموح به أمام القضاة لتزويج القاصرات من 15 إلى 17 عامًا، مع وضع شروط صارمة لتطبيق هذا الاستثناء بحيث يظل في حدود الحالات الطارئة.
كما تطرقت التعديلات إلى التحسينات في مسألة الحضانة، حيث تم النص على المسؤولية القانونية المشتركة بين الزوجين فيما يتعلق بالحضانة.
بالإضافة إلى عدم سقوط الحضانة عن الأم المطلقةحتى وإن تزوجت من جديد، وهو ما يمثل تحسّنًا كبيرًا في وضع الأمهات المطلقات.
أما في ما يتعلق بالطلاق، فقد تم اقتراح إجراءات لتسريع البت في دعاويه، وتسهيل الإجراءات بما يتماشى مع حقوق الزوجين، كما تم التأكيد على حق الزوج أو الزوجة في الاحتفاظ ببيت الزوجية في حالة وفاة الطرف الآخر، وهو ما يعزز استقرار المرأة في مثل هذه الظروف الصعبة.
وعلى الرغم من أن بعض الحقوق الأساسية مثل المساواة في الميراث لم يتم تضمينها في هذه الإصلاحات، فقد تم طرح فكرة الهبَات كحل بديل لضمان حقوق النساء في الميراث بشكل عادل.
كما تم تقييد التعدد الزوجي من خلال فرض ضرورة موافقة الزوجة الأولى على هذا القرار أثناء توثيق عقد الزواج، بالإضافة إلى تحديد شروط قانونية صارمة لتطبيقه في حالات محددة فقط.
تحديات قائمة
رغم هذه الإنجازات، لا تزال المرأة المغربية تواجه بعض التحديات، خاصة في المناطق القروية والنائية.
ففي هذه المناطق، تعاني العديد من النساء من ضعف فرص الوصول إلى التعليم، وفرص العمل المحدودة، بالإضافة إلى العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي يبقى من أكبر المعضلات.
كما أن نسبة تمثيل النساء في مواقع القيادة ما زالت دون المستوى المطلوب، رغم أن المغرب حقق خطوات كبيرة نحو تعزيز مشاركتهن في المناصب السياسية والاقتصادية.
من المهم الإشارة إلى أن المملكة قررت رفع تحفظاتها على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وهو قرار يعكس إرادة حقيقية في تكريس مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في جميع المجالات.