بدأ الفن التشكيلي بالمغرب مطلع القرن العشرين، حين ظهرت أولى التجارب التصويرية ذات الطابع الأوروبي مع الفنان محمد بن علي الرباطي (1861 – 1939)، الذي يُعدّ من أوائل المغاربة الذين اشتغلوا على اللوحة والألوان المائية خارج الإطار التقليدي للفنون الحِرفية.
وشكل هذا التحول خطوة أولى في مسار طويل من التأسيس والتجريب والتجديد، سيتبلور بشكل أوضح خلال فترة الاستعمار مع إنشاء مدرستين للفنون بتطوان ومراكش، تحت إشراف فنانين أوروبيين كجاك ماجوريل وماريانو بيرتوتشي.
وبرزت في هذا المناخ أسماء مغربية وازنة ساهمت في تحرير الذوق التشكيلي من التبعية الكولونيالية، وأسست لحداثة بصرية مغربية الهوية.
ومن بين هاته الأسماء نذكر فريد بلكاهية، محمد شبعة، محمد المليحي، الجيلالي الغرباوي، وأحمد الشرقاوي، الذين التحقوا بـ”حلقة مدرسة الفنون الجميلة” في الدار البيضاء سنة 1965، وأطلقوا مشاريع فنية حداثية، كان من أبرز أهدافها إعادة الاعتبار للفنون الوطنية والانفتاح على قضايا الثقافة والإنسان.
المرأة المغربية… من الغياب إلى الريادة
رغم هذه الدينامية، ظلّ الحضور النسائي في المشهد التشكيلي لسنوات طويلة هامشيًا، سواء من حيث العدد أو التأثير.
ففي الوقت الذي راكم فيه الفنانون الرجال شهرة وتقديرًا داخل المغرب وخارجه، بقيت مشاركة المرأة محدودة، مقتصرة على أسماء معدودة.
وتظل الشعيبية طلال (1929 – 2004) أبرزهنّ، وهي فنانة عصامية ذاع صيتها عالميًا بفضل لوحاتها الفطرية الغنية بالرموز والروح الشعبية. كما حضرت أسماء أخرى مبكّرة مثل بنحيلة الركراكية، وفاطمة الفلوس، ولطيفة التيجاني، ومريم مزيان، التي تُعد أول رسامة تُقيم معرضًا شخصيًا في المغرب.
جيل جديد… تنوّع الرؤية وتعدد الهويات
في العقود الأخيرة، تغيّر المشهد التشكيلي المغربي بعمق، مع بروز أسماء نسائية شابة تشتغل على مواضيع الذات، الجسد، التراث، والذاكرة.
وتنتمي هذه الفنانات إلى مدارس وأساليب متنوعة، تمتد من التجريد الرمزي إلى التعبير الحسي، ومن استلهام التراث إلى التجريب المفاهيمي، وهو ما يعكس نضجًا فنيًا وتعدّدًا بصريًا يعيد تشكيل مفهوم “الفن النسائي” خارج القوالب النمطية.
الفن النسائي… ذاكرة جمالية وهوية متجددة
أثبتت الفنانات المغربيات أن ريشتهن ليست مجرد وسيلة للتعبير الجمالي، بل مشروع ثقافي ورؤية ذاتية تعيد بناء العلاقة بين الفن والمجتمع.
لقد تجاوزن الصور النمطية، وأسسن لغة تشكيلية تستمد قوتها من تعدد المرجعيات، وتمنح الجسد والرمز واللون أبعادًا تتجاوز الإبهار البصري نحو مساءلة الذات والواقع، في مشروع حداثي يعكس تطور الوعي الجمالي والثقافي للمرأة المغربية.
