في عالمٍ تتكاثر فيه الصور وتتشظى الرؤى، تقف الفنانة التشكيلية المغربية أحلام المسفر شامخة كجدارٍ أزرق يحرس سرّ الإبداع. فنانة عابرة للحدود، مغربية الجذور، كونية الرؤية، جعلت من الأزرق فلسفةً بصرية، ومن التجريد لغةً تعبيرية لا تُضاهى.
من الجديدة إلى باريس: جذور تنمو في أفق عالمي
ولدت أحلام المسفر في مدينة الجديدة، وترعرعت في الدار البيضاء، في كنف عائلة منغمسة في الفن والثقافة، تتنفس الجمال كما يتنفس البحر موجه.
والدها، الفنان الحبيب المسفر، كان أول معلم ألهمها غواية الريشة وسحر الألوان. التحقت بالمدارس العليا للفنون في باريس، حيث صقلت موهبتها الأكاديمية، وامتزجت الرؤية المغربية بالمعرفة العالمية.
اليوم، تشغل أحلام منصب أستاذة وباحثة لدى وزارة التربية الوطنية الفرنسية، وعضو بلجنة الشرف لمؤسسة الفنون الفرنكفونية.
رؤيا تشكيلية تتنفس الزرقة وتفكر بالمطلق
ليست لوحات أحلام المسفر مجرد أعمال فنية، بل هي مقامات بصرية، تسائل فيها الفنانة علاقتنا بالمكان، بالمادة، بالضوء، وبأنفسنا. يغلب على أعمالها اللون الأحادي، لا سيما الأزرق، الذي يستحضر البحر، السماء، الحلم، والحرية.
في كل لوحة، تأخذ المتلقي إلى عالم من التأمل والصفاء، وتدعوه إلى نسيان ضجيج الصور والانغماس في سكينة اللون.
تبدأ العملية الإبداعية عند أحلام من المادة الخام، من قماش أبيض يستقبل أولى رعشات الفكرة، دون تصور مسبق. لا رسم لما هو قائم، بل ولادة لما لم يكن. تحب المادة التي تطاوعها، وتستجيب لانفعالاتها، لتُشكّلها بحركة اليد وإيقاع الجسد.
اللون الأزرق: سؤال الفن وسرّ الوجود
عُرفت أحلام المسفر بـ”عاشقة الأزرق”، ذلك اللون الذي تتقنه وتُجيده كما يجيد الشاعر نظم القصيدة.
في معرضها “زينة، ما وراء الأزرق”، تساءلت عن الجمال، عن المطلق، عن الصفاء الداخلي، عن خلاص الروح، وكأنها تحوّل اللون إلى صلاة تشكيلية، ترتقي بالمُتلقي نحو أفق روحي، حيث يُصبح التجريد خطابًا، ويغدو اللون بوحًا صامتًا.
قالت الناقدة فرانسواز باربي غال إن “الألوان الأحادية تمثل صمت الألوان”، أما أحلام، فترى في الأزرق صوت الروح، وهمس الذات، وتوقًا سرمديًّا إلى النقاء.
تجربة فنية عالمية: من المغرب إلى العالم
منذ الثمانينات، شقّت أحلام المسفر طريقها بثبات وسط المشهد الفني المغربي والدولي. عُرضت أعمالها في أبرز المعارض العالمية، منها معرض مولان دوركون بفرنسا، الصالون الدولي “ملوك الفن” سنة 1995، النسخة الرابعة للمعرض الدولي للفن الإسلامي بإيران، معرض القاهرة الدولي، معرض الإسكندرية، وغيرها.
وتوّجت مسيرتها بجوائز مرموقة، أبرزها ميدالية فضية من صالون “ملوك الفن”، وجائزة الاستحقاق بمولان دوركون سنة 1996.
دار الفن المعاصر ببرييش: مشروع حياة
ولأنها تؤمن بدور الفنان كـ”سفير لبلده”، أسست دار الفن المعاصر في بلدة برييش شمال المغرب، بالقرب من أصيلة.
هذا الصرح الفني أصبح فضاءً دوليًا يستضيف فنانين من شتى أنحاء العالم، ويعكس رؤيتها بأن الفن والتعايش والتسامح يمكن أن يكونوا رافدًا ثقافيًا وسياحيًا للمغرب.
أحلام المسفر: اسم يتوهج في سماء الفن التشكيلي المغربي والعالمي
بريشتها الزرقاء، وبحثها المتواصل عن الجوهر، تواصل أحلام المسفر كتابة فصل جديد من فصول الفن المغربي المعاصر. في كل لوحة تترك أثرًا، وفي كل معرض تبوح بجزء من روحها. فهل يمكن للون أن يُنقذ العالم؟ ربما نعم. لكن عند أحلام، الزرقة وحدها تعرف الطريق إلى الخلاص.