يُعد الفن التشكيلي النسائي أحد أبرز أشكال التعبير الثقافي الذي استخدمته النساء عبر العقود للمطالبة بالمساواة ومقاومة التهميش. فمنذ نهاية القرن التاسع عشر، لعب هذا الفن دورًا محوريًا في إعادة صياغة المشهد الجمالي والثقافي من منظور نسائي، متجاوزًا الهيمنة الذكورية في الفضاءات الفنية، وموفرًا منصات بديلة لصوت المرأة.
وفي هذا المقال، نستعرض نشأة الفن النسائي وأبرز رائداته ومعاصراته من مختلف أنحاء العالم.
الفن التشكيلي النسائي: من التهميش إلى الفعل المقاوم
نشأ الفن التشكيلي النسائي أواخر القرن التاسع عشر، على خلفية نضالات الحركة النسوية السياسية والاجتماعية، التي طالبت بحقوق المرأة في مواجهة السلطة الذكورية المهيمنة.
وبحلول القرن العشرين، توسعت آفاق هذه الحركة لتشمل مجالات الثقافة والأدب والتاريخ من منظور نسوي.
وقد تجلى ذلك في الفن التشكيلي، إذ حرمت النساء سابقًا من عرض أعمالهن في المعارض الكبرى، مما دفعهن إلى خلق فضاءات بديلة وتطوير وسائط تعبيرية جديدة تتجاوز النحت والتصوير الكلاسيكي.
وفي مشهد فني ظل طويلًا حكرًا على الذكور، برزت مجموعة من الفنانات من جميع أقطار العالم يكسرن هذا الاحتكار، ويقدمن رؤى تشكيلية جريئة تعكس تجارب النساء وتعيد تعريف الجسد والهوية والذات من منظور نسوي.
وفي ما يلي لمحة عن أبرز الرائدات عبر العالم اللواتي شكّلن مسارات مغايرة وملهمة في تاريخ الفن التشكيلي النسائي.
تجارب ملهمة من الغرب
(1844-1926) – الولايات المتحدة
تعد كاسات رائدة في الفن التشكيلي النسائي، ركزت على الحياة اليومية للنساء والعلاقة الحميمة بين الأم والطفل. استلهمت من الفن الياباني وكسرت القيود النمطية في تمثيل المرأة.
لويز بورجوا (1911-2010) – فرنسا
اشتهرت بورجوا بأعمالها عن الجسد، والأمومة، والغضب، عبر تماثيل ضخمة تجريدية وشخصية أبرزها العناكب التي ترمز للأم. عُرفت عالميًا بعد السبعين من عمرها.
ميريت أوبنهايم (1913-1985) – ألمانيا
أوبنهايم هي فنانة سريالية تجاوزت تأثيرات التيار الذكوري، وعبرت بأعمال تركيبية مثل “ممرضتي” عن معاني الإغواء والاستعباد الجنسي من منظور نقدي.
جيني سافيل (مواليد 1970) – بريطانيا
كسرت سافيل النمط الجمالي التقليدي للمرأة، وعالجت قضايا الجسد والهوية الأنثوية من خلال لوحات ضخمة تجسد العنف والتشويه الاجتماعي لجسد المرأة.
الفن النسوي العربي: صوت من الداخل
سلوى روضة شقير (1916-2017) – لبنان
تعد روضة شقير رائدة الفن التجريدي العربي، استُلهمت أعمالها من العمارة الإسلامية والطبيعة، وربطت بين الفن والهندسة المعمارية في لوحاتها المتنوعة.
تحية حليم (1919-2003) – مصر
جمعت حليم بين التعبير الفني والهمّ المجتمعي، وعكست الحياة اليومية المصرية بلوحات تجمع بين الرمزية والبساطة.
صفية بن زقر (مواليد 1940) – السعودية
وثّقت التراث السعودي في لوحات تنبض بالأصالة والتفاصيل، وأسست متحفًا خاصًا في جدة، ليكون منصة دائمة لعرض الثقافة البصرية النسوية.
ليلى العطار (1944-1993) – العراق
مثلت أعمال العطار معاناة النساء خلال الحروب، واغتيلت بسبب مواقفها الجريئة، لكنها خلّدت بصمتها في الذاكرة البصرية العراقية.
إفريقيا تتكلم باللون والهوية: فنانات معاصرات في وجه الهيمنة
تريسي روز – جنوب إفريقيا
تعبر روز عن الهوية والتمييز العنصري عبر الفيديو أرت والتصوير الجريء، في بلد لا يزال يعاني آثار الفصل العنصري.
جولي مهريتو – إثيوبيا
تستلهم مهريتو أعمالها من الخرائط والمدن الحديثة، وتستخدم التجريد الهندسي لتصوير مشاهد حضرية مكتظة حيث “لا مكان للأحلام”.
سوكاري دوجلاس – نيجيريا
تزاوج دوجلاس الفن الحديث بالثقافة النيجيرية عبر منحوتات تمزج بين الطقوس الإفريقية والتجريد الغربي، وعرضت أعمالها في أبرز المتاحف العالمية.
الفن النسوي… لغة بصرية للعدالة والاعتراف
لقد تمكنت الفنانات التشكيليات من إعادة رسم المشهد الثقافي برؤية بديلة، تضع المرأة في قلب المعادلة الجمالية.
من خلال الألوان، والرموز، والتجريب، خلقن مساحات مقاومة، وجعلن من الفن أداة لمساءلة السلطة والهيمنة، وبوابة لتحرير الصوت والصورة معًا.