في يوم الثلاثاء 15 أبريل، ذهبتُ إلى حفل افتتاح المعرض الذي نظمته أحلام المسفر. وبمجرد وصولي إلى مكان الحدث، شعرت بأنه لا يشبه أي معرض آخر. كان المكان عبارة عن فيلا فنية جميلة على طراز “آرت ديكو”، التابعة لمؤسسة المدى.
كان الترحيب حارًّا ومهذبًا من أبناء الفنانة، حيث من السهل التعرف عليهم من خلال التشابه المذهل على مستوى العين. بعدها، دعتني الفنانة أحلام، بدفء ورقّة كعادتها، بابتسامتها المشرقة والمميزة، إلى الانغماس في عالمها وفي هذا الفضاء المميز الذي يحمل عنوانًا غير عادي: “زينة – ما وراء الأزرق”.
زينة، التي تحمل اسمًا عزيزًا عليها، هو اسم أمها التي ودّعت الدنيا مؤخرًا.
عدد الزوار كان كبيرًا، وكلّهم كانوا سعداء بتواجدهم في المعرض، مما خلق تباينًا بين الفضاء الخارجي الصاخب والمساحات الداخلية الهادئة والمتنوعة، والمدهشة بتنوع التراكيب. مساحتان ترحبان بكم: فضاء الهياكل، والذي كان اكتشافًا بالنسبة لي، لأنني كنت أعرف لوحات أحلام وليس منحوتاتها.
بدأت بمساحة النحت، التي تمثل حياة المرأة بأكملها: الولادة، الأمومة، الخصوبة، الجسد في روعته وحميميته. بين الأبيض النقي والأزرق الدافئ الخاص بأحلام، الذي يتراوح من شدة اللازورد إلى الليل المظلم، الصعود والهبوط، الارتفاع والسقوط… عالم يسمح لنا بالتخيل والافتراض والتردد، ولكن في النهاية نجد أنفسنا جدّ منبهرين بجمالية الإبداع.
فضاء اللوحات يتميز، كالعادة، بهذا التنوع من الأزرق الذي يتدرج أحيانًا إلى الرمادي. نشعر فيه بالجهد والعمل والخيال والوِحدانية التي عاشتها الفنانة أحلام خلال إنجاز عملها، وبدفء الروح، وميلاد العمل، وأحيانًا بألم الإبداع.
حاورتها بعد زيارة المعرض، وكان لقاءً جميلاً قرّبتنا فيه أحلام المسفر أكثر من عالمها.
س. اخترتِ عنوان “زينة، ما وراء الأزرق” لمعرضك الجديد… هل لك أن توضحي لنا دلالة هذا العنوان؟ ومن هي “زينة” في خيالك الفني؟
ج. زينة، بمعناها الأول “الجمال”، تمثل في حياتي بأكملها شخصاً عزيزاً علّمني كل شيء، ومنح لحياتي معنى: إنها أمي، مصدري ونبع إلهامي.
أما “ما وراء الأزرق” فهو تعبير عن استكشاف أعمق ما في ذواتنا، والارتقاء نحو السمو الروحي.
س. الأزرق في لوحاتك ليس مجرد لون، بل يبدو وكأنه مقام صوفي، ملاذ، أو بحث عن الخلاص… لماذا يحتل الأزرق هذا الحضور الطاغي في تجربتك الفنية؟
ج. نعم، تماماً. إنه بحث دائم عن تجاوز الذات والسمو بها.
العمل الفني ينطلق من أعمق الظلمات في كيان الإنسان، ليأخذ شكلاً في صفاء التعبير، ويبحث عن توازن، ذاك التوازن النابض الذي يولّد العمل الفني.
س. في أعمالك، نجد قتامَة اللون، ولكننا نستشعر خلفها هشاشة ما، رهافة ما… هل تتعمدين هذا التوتر بين القسوة والحنان في تعبيرك التشكيلي؟ ولماذا؟
ج. هذا التجاور يعزز القيم، إذ تُقوّي إحداهما الأخرى. إحداهما لا تكون إلا بوجود الأخرى. وهنا نستعيد فكرة قبول الآخر.
الانفتاح على الآخر يُغني التجربة، وهو أساس الحياة.
س. تقولين إنك “تنغرسين مثل ريشة في جوف الأزرق”… هل ترين أن الفن عندك هو فعل تأمل أم مقاومة؟ بحث عن النور أم تصالح مع العتمة؟
ج. كل عملي قائم على البحث الدؤوب عن النور. هذا الصعود نحو الألوهية يملؤنا بالطموح ويقوينا، ويدفعنا للبحث في أعماق ذواتنا.
وهكذا، بعد العمل على اللوحة، أبدأ — بل أُدفع — نحو التخلص من كل ما يبدو لي زائداً، لأبقي فقط على ما هو جوهري وأساسي.
س. بعد هذا المعرض، ما الذي تسعين إليه كفنانة في المرحلة المقبلة؟ هل سيبقى الأزرق رفيق دربك، أم هناك ألوان جديدة تنادينك من بعيد؟
ج. هذا المعرض سينتقل إلى الرباط، إلى “فيلا الفنون” في شهر يونيو، إن شاء الله.
الأزرق لون يخاطبني منذ عشرات السنين، ولست متأكدة بعد من أنني بلغت كامل معانيه أو استكشفت أعماقه.
من الصعب القول إن الأزرق سيبقى دائماً في أعمالي، لأنني لا أكتفي بما هو كائن. أحتاج إلى الذهاب إلى ما هو أبعد، ومواصلة البحث. فنحن مصنع دائم للأفكار، والمشاعر، والانفعالات المتغيّرة باستمرار… فكيف لي أن أتنبأ بمستقبل عملي الفني.