في زمن بات فيه المظهر الخارجي معياراً للجاذبية والقبول الاجتماعي، تتزايد شهية المستهلكين على مستحضرات التجميل دون وعي كافٍ بالمضار الكامنة خلف الزجاجات اللامعة.
دراسة حديثة صادرة عن مركز “NYU Langone” الطبي في الولايات المتحدة دقت ناقوس الخطر، محذرة من مادة DEHP، وهي من مشتقات الفتالات المستخدمة في تصنيع البلاستيك، والتي تم رصدها في مئات المنتجات التجميلية المتداولة في الأسواق.
مركبات كيميائية خطرة في متناول الجميع
وتشير الدراسة إلى أن مادة DEHP تُصنّف ضمن المركبات الكيميائية الضارة، وقد ارتبطت بمضاعفات صحية مزمنة تشمل التهابات الجلد، التقشر، الإكزيما، واضطرابات في الغدد الصماء.
والأخطر من ذلك، أن هذه المادة لا تقتصر على منتج واحد، بل توجد في طلاء الأظافر، الكريمات، العطور، وغيرها من المنتجات المستخدمة يومياً.
وتوضح اختصاصية الجلد والتجميل، أميرة القصير، أن الجسم يمتص هذه المواد بسهولة عبر الجلد، ما يجعل أثرها غير ظاهر في البداية، لكنه يتفاقم مع مرور الوقت، ليطال ليس فقط البشرة، بل أيضاً أعضاء داخلية.
قائمة ممتدة من السموم الصامتة
الخطر لا يتوقف عند DEHP، فمنتجات العناية الشخصية قد تحتوي أيضاً على مركبات مثل الزئبق، الهيدروكينون، البارافين، الفورمالديهايد، وكلها تُستخدم في مستحضرات التفتيح، مزيلات العرق، ومستحضرات الشعر.
وقد يؤدي الاستخدام المزمن لهذه المركبات إلى أمراض جلدية مزمنة، اضطرابات هرمونية، وربما تشوهات خلقية، خاصة عند النساء الحوامل.
وتلفت القصير إلى خطورة استخدام الريتين A أثناء الحمل، لما له من تأثير محتمل على نمو الجنين، مؤكدة أن التوعية بالمكونات تظل خط الدفاع الأول أمام هذا الخطر.
المناطق الحساسة أكثر عرضة للخطر
تحذر القصير من الاستخدام غير الآمن لمستحضرات العيون والشفتين، لكونها تلامس مناطق حساسة جداً من الوجه، ما قد يؤدي إلى التهابات خطيرة، أو حتى انتقال فيروسات مثل الهربس.
وتضيف أن مشاركة أدوات التجميل الشخصية تمثل سلوكاً مقلقاً، يزيد من احتمالات انتقال العدوى بين الأفراد.
خطوات وقائية نحو استخدام آمن
الوقاية تبدأ بقراءة الملصقات بعناية، رغم صعوبة الأمر أحياناً بسبب صغر حجم الطباعة أو غموض المصطلحات العلمية.
وتنصح القصير باعتماد المنتجات ذات التركيبة الطبيعية أو العضوية كلما أمكن، مثل تلك التي تحتوي على مستخلص “Fernblock”، المعروف بخصائصه المضادة للأكسدة.
ورغم أن المستحضرات العضوية قد تكون أقل فاعلية من نظيراتها الكيميائية، إلا أن تحقيق التوازن بين الأمان والنتائج هو الرهان الحقيقي.
نتائج مقلقة تكشفها الاستطلاعات
استطلاع للرأي أجرته “سكاي نيوز عربية” كشف أن خمسة وستين في المئة من المشاركين تعرضوا لأعراض جانبية نتيجة استخدامهم لمستحضرات تجميل، ما يعزز الحاجة المُلِحة لتثقيف المستهلك حول مكونات المنتجات، وخطورة الاستعمال العشوائي أو المفرط.
الجمال الواعي… خيار لا مفر منه
في نهاية المطاف، لا يجب أن يكون الجمال على حساب الصحة. فالتألق الحقيقي لا تصنعه المساحيق فقط، بل يبدأ من الوعي والاختيار الرشيد لما نضعه على أجسادنا كل يوم.
وبين سحر العبوات وإغراءات الإعلانات، تبقى المعرفة حصن الأمان الأول في عالم يعج بالمواد الخفية والمخاطر غير المرئية.
