بينما تتسابق الشعوب نحو تحقيق أرقام قياسية في ميادين متعددة، يختار بعض المغاربة دربًا محفوفًا بالمخاطر، لكن زاخرًا بالمجد، حيث يتسلقون أعالي القمم الجبلية في أصقاع الأرض، حاملين راية وطنهم في صمت الجليد وصفاء الأعالي. من جبال الأطلس إلى قمم الهملايا، ومن كليمنجارو إلى إيفرست، خطّت نخبة من المغامرين المغاربة أسماءهم بمداد من الثلج والعزيمة في سجل الخالدين.
بشرى بايبانو: المرأة العنكبوت التي لامست السماء
إنها “سيدة الأعالي”، “قاهرة الجبال”، و”المرأة العنكبوت”، ألقاب تليق بامرأة تجرأت على التسلق حيث يتراجع الكثيرون. بشرى بايبانو، أول مغربية تصل إلى قمة إيفرست، عادت مؤخرًا إلى الواجهة بوصولها إلى قمة أنابورنا في جبال الهيمالايا بعلو 8091 متر، لتُدرج ضمن 300 شخص فقط بلغوا هذه القمة. إنجاز باركه العاهل المغربي الملك محمد السادس في برقية تهنئة أشادت بإصرارها وتمثيلها المشرف للمرأة المغربية.
بايبانو ليست مجرد متسلقة بل مهندسة دولة ورئيسة اللجنة النسوية بالجامعة الملكية المغربية للتزحلق ورياضات الجبل. وقد وشّحها العاهل المغربي بوسام الاستحقاق الوطني عام 2015، تكريمًا لمسيرتها الحافلة التي شملت القمم السبعة الأشهر في العالم، من كليمنجارو إلى فينسون في القطب الجنوبي.
غزلان عقار: من رماد الزلزال إلى قمة إيفرست
غزلان عقار، الشابة المغربية المقيمة بفرنسا، خاضت رحلة قاسية إلى إيفرست عام 2015، حين علقت في نيبال بسبب زلزال مدمّر حصد آلاف الأرواح. رغم الخطر، نجت غزلان وواصلت مسارها لتصبح ثاني مغربية ترفع العلم المغربي على أعلى قمة في العالم.
ولم تتوقف عند إيفرست، فقد خاضت تحديات أخرى كتسلق جبل كاليمانجارو ورينجاني، لتصبح أول مغربية تبلغ قمة جبل أكونكاجوا، أعلى قمة في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية.
مريم الكثيري.. إنجاز عالمي برحلة مزدوجة
مريم الكثيري، شابة مغربية درست في ألمانيا، فرضت اسمها في سجل التميز العالمي حين تسلقت القمم السبعة في عام واحد فقط (ماي 2018 – ماي 2019)، ثم أتبعتها بإنجاز فريد بتسلق قمتي إيفرست ولوتسي في رحلة واحدة، برفقة المتسلق القطري فهد بادار.
تصف مريم تسلق الجبال بأنه اختبار لقدراتها النفسية والجسدية، مؤكدة أن التحدي لم يكن رياضيًا فقط، بل ماديًا أيضًا، إذ كانت بحاجة إلى دعم المستثمرين. رغم ذلك، واصلت تدريباتها المكثفة ونجحت في إدراج اسمها ضمن قائمة الثلاثين شخصًا حول العالم الذين حققوا هذا التحدي المضاعف.
ناصر بن عبد الجليل.. الرائد المغربي في قمم العالم
قبل أن تُعرف بايبانو للعالم، كان ناصر بن عبد الجليل قد رفع العلم المغربي على قمة إيفرست سنة 2013، كأول مغربي يحقق هذا الإنجاز. لم يتوقف عند ذلك، بل واصل التحدي نحو القطب الشمالي عام 2015، وجرّ عربة جليدية لمسافة 225 كلم وسط الجليد.
حاصل على شهادة MBA من كبرى المعاهد الأوروبية، تخلّى ناصر عن مسيرته المصرفية ليسلك درب الجبال، متسلقًا مون بلان، أكونكاجوا، ماك كينلي وغيرها، ساعيًا لتحقيق حلم “القمم السبعة” الذي بات رمزًا للمتسلقين حول العالم.
عادل الطيبي.. راية المغرب ترفرف على قمة دينالي
عادل الطيبي، المهندس بوزارة التجهيز والماء، اختار أن يحوّل ولعه بالجبال إلى مسار إنجازات استثنائية. في 2022، بلغ قمة دينالي في ألاسكا، أعلى نقطة في أمريكا الشمالية، وسط ظروف مناخية قاسية وانهيارات ثلجية.
مشروع الطيبي بدأ منذ 2019، ويتجلى في تسلق أعلى سبع قمم في العالم. بعد أن صعد إلى قمم البروس، كليمنجارو، أكونكاجوا، وإيفرست، يُواصل مسيرته بهدوء وثقة، واضعًا نصب عينيه غاية أسمى: أن يثبت أن الحلم المغربي لا يحدّه ارتفاع.
تسلق القمم.. رياضة التحدي ورسالة الانتماء
إن المتسلقين المغاربة ليسوا فقط رياضيين يخوضون مغامرات فردية، بل هم سفراء للوطن يرفعون رايته في أكثر بقاع العالم عزلة ووعورة.
من خلالهم، يتجلى التحدي، ويتجسد الانتماء، وتُكتب فصول جديدة من قصص المجد الوطني.
وبين كل قمة وأخرى، يزداد الحلم المغربي علوًا، تمامًا كما ترتفع أعلامه فوق قمم لا تطالها سوى الأرواح المجبولة على الإصرار.