في تقرير جديد أصدره أكثر من ستين عالمًا بارزًا، بدا المشهد البيئي العالمي مقلقًا أكثر من أي وقت مضى، إذ سجلت مؤشرات التغير المناخي الرئيسية، وعلى رأسها انبعاثات الكربون وارتفاع حرارة الأرض ومستوى البحار، تسارعًا غير مسبوق، يهدد بمضاعفة الكوارث المناخية خلال العقدين القادمين، ما لم يتم اتخاذ إجراءات جذرية وفاعلة.
انبعاثات غازات الدفيئة تبلغ مستويات غير مسبوقة
وأكد التقرير أن انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات بلغت مستوى قياسيًا جديدًا عام 2024.
وبلغ متوسط هذه الانبعاثات، خلال العقد الأخير، ما مجموعه 53.6 مليار طن سنويًا، أي ما يعادل ضخّ 100 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي كل دقيقة.
وترسم هذه الأرقام صورة قاتمة عن قدرة الكوكب على تحمل مزيد من الضغط الحراري والبيئي في ظل ضعف الالتزام العالمي بالاتفاقيات المناخية.
تجاوز عتبة 1.5 درجة: إنذار أحمر للمجتمع الدولي
ويشير العلماء إلى أن عام 2024 شهد للمرة الأولى تجاوزًا فعليًا لعتبة 1.5 درجة مئوية من الاحترار فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وكانت هذه العتبة تعتبر الحدّ الآمن لتجنب السيناريوهات المناخية الأكثر تطرفًا، لكن تجاوزها الآن يعكس عجز العالم عن كبح جماح التصعيد الحراري، وسط استمرار السياسات الملوّثة والاعتماد المفرط على مصادر الطاقة التقليدية.
ارتفاع مستوى البحار واختلال توازن الطاقة في الأرض
ومن بين المؤشرات الأكثر إثارة للقلق أيضًا، يبرز الارتفاع المتسارع في مستوى البحار، الذي بلغ منذ عام 2019 حوالي 4.3 مليمتر سنويًا، مقارنة بأقل من مليمترين فقط خلال القرن الماضي.
ويُعزى هذا التسارع إلى ذوبان الجليد القطبي وتمدّد المحيطات بفعل الحرارة المتزايدة.
كما حذر التقرير من اختلال متفاقم في توازن الطاقة في الأرض، حيث لم تعد كمية الحرارة الخارجة من الكوكب توازي تلك الداخلة إليه من أشعة الشمس، ما يُبقي الأرض في حالة تسخين دائم.
وقد امتصّت المحيطات حتى الآن 91% من هذه الحرارة الزائدة، غير أن العلماء يتخوفون من بلوغ حدودها القصوى في المستقبل القريب.
تغير المناخ لم يعد مجرد احتمال… بل واقع يشتد
ما خلص إليه العلماء هو أن العالم يتجه نحو مرحلة جديدة من عدم الاستقرار المناخي، إذ لم يعد تغير المناخ خطرًا مستقبليًا، بل أصبح واقعًا ملموسًا تتسارع وتيرته عامًا بعد عام.
وتشير المؤشرات الحديثة إلى أن تداعيات العقد أو العقدين المقبلين قد تكون أكثر فتكًا مما شهده العالم حتى اليوم، في حال استمرت الانبعاثات في مسارها الحالي، دون خفض حقيقي أو التزام فعلي بمسؤوليات الدول الصناعية.
دعوة ملحّة للتحرك قبل فوات الأوان
هذا، ويمثل هذا التقرير نداءً علميًا عالي النبرة، موجهًا إلى صناع القرار والفاعلين الدوليين، بأن الوقت ينفد، وأن العالم أمام فرصة ضيقة لتغيير المسار قبل أن تتجاوز العواقب المناخية قدرة النظم البيئية والاقتصادية والاجتماعية على التحمل. فالرهان لم يعد فقط على خفض الانبعاثات، بل على إنقاذ مستقبل البشرية على هذا الكوكب.