في لحظة وُصفت بالتاريخية، سلّم الألماني توماس باخ رئاسة اللجنة الأولمبية الدولية رسميًا إلى الزيمبابوية كيرستي كوفنتري، التي باتت أول امرأة وأول شخصية من القارة الإفريقية تتولى هذا المنصب الرفيع، مؤكّدًا أن الحركة الأولمبية باتت “في أيد أمينة”.
وتولّت كوفنتري، البطلة الأولمبية السابقة في السباحة، مهمتها الجديدة وسط احتفاء كبير شهدته مدينة لوزان السويسرية، مقر اللجنة الأولمبية.
كوفنتري تصنع التاريخ: امرأة إفريقية في أعلى هرم الرياضة العالمية
وانتُخبت كوفنتري في مارس الماضي بعد منافسة قوية مع ستة مرشحين، وها هي اليوم، عن الحادي والأربعين عامًا، تُسجّل اسمها في سجلّات التاريخ الرياضي كأول امرأة وأول إفريقية تتربع على عرش اللجنة الأولمبية الدولية.
كما أنها أصغر رئيس للهيئة منذ مؤسسها، الفرنسي بيار دي كوبرتان، مما يضيف إلى مسيرتها بعدًا رمزيًا يعكس تحوّلًا عميقًا في بنية القيادة الرياضية العالمية.
من ذهب السباحة إلى ذهب الإدارة
وحصدت كيرستي كوفنتري خلال مسيرتها سبع ميداليات أولمبية، منها ذهبيتان في سباقي 200 متر ظهر، وفرضت نفسها كواحدة من أبرز السباحات في تاريخ الألعاب.
وتسلّمت رسميًا “المفتاح الأولمبي” من سلفها باخ، الذي تُوّج بدوره بذهبية المبارزة في أولمبياد 1976، ليُعلن بذلك عن انتقال سلس للقيادة بعد اثني عشر عامًا من التحديات والتغيّرات الجذرية.
باخ: الحركة الأولمبية في أيد أمينة
وفي خطابه الوداعي، عبّر توماس باخ عن “الامتنان والفرح والثقة” وهو يغادر منصبه، مشيدًا بخلفه الجديدة التي قال عنها إنها تجسّد “الروح العالمية والشبابية الحقيقية”.
وأضاف: “إنها أول امرأة وأول رئيس إفريقي، وهي أيضًا أصغر رئيس منذ كوبرتان. هذا يحمل رسالة قوية بأن اللجنة الأولمبية مستمرة في التطور والتجدد”.
دعم عائلي ورسالة رمزية من الطبيعة
وحضر مراسم التسليم والدَا كوفنتري، وزوجها تايرون سيوارد، وبناتها الصغيرتان إيلا وليلي، في مشهد إنساني مؤثر.
واستلهمت كوفنتري من ابنتها الكبرى إيلا لحظة بلاغية حين روت كيف فسّرت لها شبكة العنكبوت التي رأتها في الحديقة، باعتبارها رمزًا للحركة الأولمبية: “هي معقدة وجميلة وقوية، لكنها لن تصمد إلا إذا بقينا متحدين”.
من الحلم إلى المسؤولية: قصة فتاة آمنت بالمستقبل
قالت كوفنتري إنها لا تصدّق كيف تطورت حياتها منذ أن بدأت تحلم بالمجد الأولمبي عام 1992، مضيفة: “من حلم بالمشاركة في الألعاب إلى الوقوف هنا بينكم لتحقيق أحلام آلاف الأطفال… إنها رحلة لا تُصدّق”.
وشدّدت على أن الحركة الأولمبية ليست مجرد سلسلة من الفعاليات الرياضية، بل “منصة لإلهام الأجيال وتغيير حياة الناس”.
رؤية جديدة وخارطة طريق مرتقبة
ورغم أن حملتها لم تتضمن برامج مفصّلة، إلا أن كوفنتري تعهّدت بالتشاور مع الأعضاء لتحديد خارطة طريق جديدة تبدأ الثلاثاء، تليها اجتماعات اللجنة التنفيذية في اليومين التاليين، قبل أن تتحدث للإعلام وتعرض ملامح استراتيجيتها المقبلة.
تحديات ملحّة في انتظار القيادة الجديدة
ومن بين أبرز الملفات التي ستواجه كوفنتري ملف الرياضيين الروس والبيلاروس في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا، وعودة الجدل حول اختبارات الكروموسومات الجنسية للمشاركة في المنافسات النسائية، وهو ما قد يُحدّد مواقف اللجنة الأولمبية في المستقبل القريب، خاصة مع اقتراب أولمبياد الشتاء في ميلانو-كورتينا 2026.
انتقال سلس وإرث قوي
ويبدو أن انتقال السلطة جرى بسلاسة تامة، إذ كانت كوفنتري حاضرة في أغلب اجتماعات باخ منذ انتخابها، ما يعكس دعمًا شخصيًا ومؤسسيًا كبيرًا.
وقد خلف باخ وراءه هيئة أولمبية مستقرة ماليًا، مع اتفاقيات بث ممتدة حتى 2036، ومضيفين مؤمّنين لدورات الألعاب حتى 2034.
رسالة أمل وقيادة جديدة
واختتمت كوفنتري كلمتها برسالة واضحة قالت فيها: “لن نكون مجرد قادة إداريين، بل حرّاس لحركة رياضية إنسانية تهدف إلى الأمل والوحدة. يشرفني أن أبدأ هذه الرحلة معكم، وقلبي مليء بالإيمان”.