في وطن يعلو فيه الأطلس وتخترقه روح المغامرة، وُلدت بشرى بيبانو سنة 1969 بالرباط، كأن الجغرافيا اختارت لها أن تكون شاهقة بطبيعتها، مائلة نحو القمم منذ البداية.
لم تكن مجرد طفلة في المدينة، بل كانت امرأة قدّر لها أن تصعد لا فقط مدارج الحياة، بل وقمم الأرض نفسها.
بداية الشغف: من توبقال إلى العالم
في الخامسة والعشرين من عمرها، حين كانت الخطوات الأولى نحو الحياة المهنية تبدأ، كانت بشرى تتلمّس طريقًا آخر، طريقًا موازٍ لا تسلكه إلا الأرواح الشغوفة؛ طريق المشي الطويل، التسلق، والنظر إلى السماء من ارتفاعات شاهقة.
فشغفها الجبلي لم يكن مجرد هواية عابرة، بل نداء داخلي صاخب لا يمكن كتمه، نداءٌ دفعها لإقناع والديها بالمغامرة نحو جبل توبقال، أعلى قمة في المغرب وشمال إفريقيا، لتخط أول خطوة في مسار بطولي سيحمل اسمها نحو الخلود.
مسيرة علمية ومهنية لا تقل صعودًا
حصلت بشرى على دبلوم الهندسة في المعلوميات من المعهد الوطني للبريد والمواصلات بالرباط، ثم على دبلوم الدراسات العليا في التدبير من جامعة HEC بمونتريال بكندا، وشغلت منصب مهندسة دولة بوزارة التجهيز والنقل، لكنها لم تسمح للروتين اليومي أن يطفئ شعلة الحلم، ولم ترَ في الأمومة ولا الزواج قيودًا تمنعها من التحليق، بل وجدت فيهما سندًا ودافعًا.
التحدي الكبير: حلم “القمم السبع”
في عام 2011، تسلقت برفقة زوجها قمة كليمنجارو بتنزانيا، فكان الحب والمغامرة يلتقيان عند 5895 مترًا فوق سطح البحر.
هناك، ولدت فكرة “القمم السبع”، وهناك بدأت معركة جديدة ضد الصعاب والطبيعة والنمطيات.
من الجبل الأبيض في أوروبا الغربية إلى البروس في القوقاز، ومن أكونكاغوا في الأرجنتين إلى دينالي في ألاسكا، ثم إلى كارستنز في غينيا الجديدة، وصولًا إلى التحدي الأكبر: قمة إيفرست، سقف العالم، حيث بلغت في مايو 2017 أعلى نقطة على وجه الأرض، لتصبح أول امرأة مغربية وشمال إفريقية، وثالث عربية تحقّق هذا الإنجاز الاستثنائي.
تسلق القمم: بين التحديات والروحانية
لكن القمم ليست فقط ارتفاعًا جغرافيًا، بل قمة أيضًا في التحدي والمواجهة، في الصبر والإصرار، وفي كسر الصور النمطية.
لم يكن الطريق سهلًا لبشرى بيبانو، فقد خاضت رحلة طويلة من التداريب والتهيئة الجسدية والذهنية، وواجهت صقيع المرتفعات ونقص الأوكسجين ونظرة مجتمعية متشككة، لكنها صعدت فوق كل ذلك بخطى واثقة، تاركة أثرًا نسائيًا عربيًا في قمم كان الرجال وحدهم يحلمون ببلوغها.
تكريم وطني ودولي لمتسلقة القمم المغربية
تلقب بـ”سيدة القمم”، وهو اللقب الأقرب إلى قلبها، لأنها لا تعتبر القمم عدوًا لتقهره، بل شريكًا يسمو بها كلما سمت إليه.
ونالت بيبانو عن جدارة وسام الاستحقاق الوطني من درجة قائد من طرف جلالة الملك محمد السادس سنة 2015، وتكريمًا من مهرجان الرحالة في ميلانو، إلى جانب تتويجها بكأس محبي الرياضات الجبلية والبحرية في دورتها الثالثة والعشرين.
بشرى بيبانو: رمز نسائي مغربي يعتلي القمم
بشرى بيبانو ليست فقط متسلقة جبال، بل قصة إلهام مكتملة الأركان. امرأة مغربية صنعت مجدها فوق الصخور، ورسخت اسمها في ذاكرة الجبال كما في قلوب العاشقين للحلم. بين صعود وآخر، كانت تبرهن أن المرأة قادرة على أن تكون أمًّا، ومهندسة، ومغامرة، وأسطورة… في آنٍ واحد.
