في سماء الإنجاز، حيث تتعالى القمم وتشتدّ الرياح، يسطع اسم مريم بورجة، كأول مغربية خاضت تحدي “القمم السبع” العالمية، متسلقةً أعلى جبال الكوكب بشجاعة أنثى مغربية قررت أن لا مكان مستحيلًا تحت الشمس.
ففي عالمٍ تتزاحم فيه التحديات وتعلو فيه الأصوات الباحثة عن المستحيل، تشق مريم بورجة طريقها بين القمم الشاهقة، متسلحةً بإرادة صلبة وقلبٍ مغربي لا يعرف الانكسار. ليست فقط أول مغربية تخوض تحدي “القمم السبع”، بل هي قصة مكتوبة على صخور الجبال، تروى بالرغبة والعزيمة والصبر في جعل كل خطوة صعودٍ رسالةَ حياة.
من توبقال إلى كليمنجارو… الشرارة الأولى لحلم لا ينطفئ
وُلد الحلم في قلب مريم بورجة حين كانت في الثامنة عشرة، خلال رحلة مدرسية إلى قمة توبقال، أعلى قمة في شمال إفريقيا.
هناك، بين الثلوج والرياح، أدركت أن الجبل ليس مجرد كتلة صخرية، بل أفقٌ جديد يمكن اقتحامه.
ومُذ تلك اللحظة، تحوّلت الهواية إلى شغف، والفضول إلى مشروع حياة، توازى فيه شغفها بالتسلق مع دراستها في مجال التدبير والتسويق المقاولاتي.
في عام 2008، بدأت أولى خطواتها على درب القمم السبع، بتسلق قمة كلمنجارو في تنزانيا، لتلتحق بها قمة إلبروس في روسيا، ثم كوسيياسكو بأستراليا، وأكونكاغوا في الأرجنتين، أعلى قمة في الأمريكيتين.
وبذلك، أصبحت أول مغربية توثَّق رسميًا في هذا المسار العالمي، وترفع راية بلدها على قمم أربع قارات.
تسلّق الجبال… لأجل السلام والحياة
لكن إنجازات مريم بورجة لم تكن مجرد انتصارات فردية؛ بل كانت كل قمة تصعدها تحمل رسائل إنسانية تتجاوز الحدود.
فقد أطلقت سنة 2012 مبادرة “المشي من أجل السلام”، التي تهدف إلى تعزيز ثقافة التعايش والانفتاح بين الشعوب من خلال تسلق جبالٍ في دول تعيش اضطرابات سياسية أو اجتماعية، برفقة متسلقين من جنسيات متعددة.
وبهذه الروح، ارتقت مريم قممًا مثل طهات بالجزائر، سانت كاترين وجبل موسى بمصر، كيكشتتو بالمجر، وكيبنيكايسه بالسويد.
هي أيضًا منخرطة في قضايا الصحة، وخاصة التحسيس بسرطان الثدي، حيث خصّصت تسلق قمة أكونكاغوا لهذا الغرض.
كما تسعى إلى تمكين النساء والشباب في المناطق القروية، وتدافع عن حق النساء في الوصول إلى الخدمات الأساسية والتعليم.
شغف لا يُروّض… وعلم وطني يرفرف في الأعالي
طافت مريم بورجة أكثر من أربعين بلدًا، وتوشّحت في غشت 2015 بوسام المكافأة الوطنية من درجة ضابط، تكريمًا من جلالة الملك على مسارها المتفرد، كأول امرأة مغربية تصل إلى “سقف أوروبا”.
ووراء كل هذا الزخم، تبقى روحها مشدودة إلى أفق جديد، حيث تنتظرها جبال الهمالايا وألاسكا، لتُكمل حلم “القمم السبع” الذي بدأ في قلب المغرب، ولم يتوقف عند حدود القارات.
مريم بورجة… امرأة من هذا الزمان
مريم بورجة، ابنة مدينة سطات، تجسّد نموذج المرأة المغربية التي جعلت من الجبال جسرًا للسلام، ومن الرياضة وسيلة للتقارب الإنساني.
بإنجازاتها، تلهم بطلتنا الأجيال الجديدة، وتؤكد أن لا قمة بعيدة على من يملك الشغف، ولا جبل أعلى من إرادة إنسان يؤمن بنفسه.
علاء البكري